———————————————–
أوراق فلسفية جديدة
مجلة فلسفية أكاديمية متخصصة
يُصدرها
مركز دُريد للدراسات والأبحاث
(كندا)
رئيس التحرير سكرتيرة التحرير
الدكتور محمد جلوب الفرحان الدكتورة نداء إبراهيم خليل
——————————————————–
العدد
(59)
تموز – آب
(2021)
—————————————————————————————–
نُشر هذا المقال لأول مرة في مجلة أوراق فلسفية جديدة ، العدد الخامس عشر ، أيلول ، سنة (2014) .
——————————————————————————————–
تأمل في
كتاب صامويل هنتنجتون ” تصادم الحضارات “
Samuel P. Huntington: The Clash of Civilization
الدكتور محمد جلوب الفرحان الدكتوره سارة الفرحان
—————————————————————————————
تألف هذا المقال من (53 صفحة) .
————————————————————————————–
تقديم :
يُشكل موضوع ” تصادم الحضارات ” مادة نافعة في تصنيف علوم الفلسفة التي شغلها التاريخ والحضارة موضوعاً من موضوعات التأمل الفلسفي الكلاسيكية . وهذا الموضوع يندرج في مجالين فلسفيين عتيدين مُتداخلين ويعملان سوية ، وهما ” فلسفة التاريخ ” و” فلسفة الحضارة ” . ونحسبُ إن هذا التداخل بين مضماري فلسفة التاريخ وفلسفة الحضارة في الموضوع الحالي ، سببه عنوان مقال كتبه بروفسور العلوم السياسية الأمريكي ” صامويل هنتنجتون ” (1927 – 2008) والذي حمل عنوان ” تصادم الحضارات ” [1] وظهر لأول مرة في صيف عام 1993 ومن ثم عاد فنشره مرة أخرى في كتاب موسع عام 1996 ضم معه مناقشات متنوعة ومن شواطئ مثديولوجية وفكرية ملونة وثم ظهر إسم البروفسور هنتنجتون مُؤلفاً (النص الذي كتبه هنتنجتون بحدود 300 صفحة) وناشراً لكتاب ” تصادم الحضارات ” في نشرته الجديدة عام 1996 .
ونحن نعرف بالتأكيد لا الكاتب البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” فيلسوفاً في التاريخ ، ولا البروفسور ” فؤاد عجمي ” فيلسوفاً في الحضارة . ولكن نحسب في الوقت ذاته إن لهما الحق في القراءة والكتابة والمعارضة ومن ثم الأتفاق خصوصاً من طرف البروفسور عجمي . وإذا كان لهما الحق في الكتابة في مضمار الفلسفة ، فلنا الحق (على الأقل من طرف الدكتور محمد الفرحان) نحن طلاب الفلسفة وسدنتها ، ومحبي الحكمة وراهني حياتنا في محبتها لأكثر من أربعة عقود ونصف من السنيين ، أن نراجع كتاب ” تصادم الحضارات ” ومن ثم مناقشة البروفسور ” هنتنجتون ” والبروفسور ” عجمي ” خصوصاً على المعارضة والمعاندة في طور مبكر من حياة البروفسور عجمي الأكاديمية ، ومن ثم عاد في مرحلة متأخرة إلى جادة الإتفاق والقبول بإطروحة ” هنتجتون ” تصادم الحضارات . وهي المرحلة العجمية التي حكمتها قوانين التحول والتغير في حياة الأكاديمي ” فؤاد عجمي ” طيب الله ثراه [2] . وهذا الجانب يُشكل ما إصطلحنا عليه ” بالطرف الفلسفي والإستشراقي في نهج فؤاد عجمي ” وهو طرف سنمسه بلطف في مضمار مقال قادم [3] . ومن النافع أن نُذكر هنا بأن المفكر الأمريكي – العربي ” أدورد سعيد ” طيب الله ثراه قد تصدى أكاديمياً لمقال هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” وفي وقت مبكر جداً وعارضه أكاديمياً ، بمقالة حملت عنواناً نقدياً ألا وهو ” تصادم الجهل ” [4] ولأهمية معارضة المرحوم ” أدورد سعيد ” للبروفسور هنتنجتون ، فستكون لنا وقفة عند عتبات مقالته ” تصادم الجهل ” . كما ذكرنا بمشروع الكاتب الباكستاني – البريطاني ” طارق علي ” والمعنون ” تصادم المتطرفين : الصليبيون والجهاديون والحداثة ” .
والحقيقة سبقت محاولتنا لتحليل مثابرة المفكر ” أدور سعيد ” والبروفسور عجمي النقديتين ، وقفة تأملية عند عتبات بعض الإتجاهات النقدية الغربية العامة لكتاب – مقال هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” . ومن ثم تلاها عرض لمثابرتين أكاديميتين ، واحدة جاءت من مرابض الحضارة اليابانية (الناهضة على أسس عقيدية بوذية) وهي مثابرة البروفسور ” سيزابارو ساتو ” والمعنونة ” تصادم الحضارات أو إعادة بناء الذات من خلال التعليم المتبادل ” . ومن ثم وقفة عند الموقف النقدي لكل من الأكاديميين الأمريكيين ” إيرول هندرسن ” و ” ريتشارد توكر ” والذي حمل عنوان ” الوضوح وحضور الغرباء : تصادم الحضارات والصراع الدولي ” .
صامويل هنتنجتون من زاوية أكاديمية
تعود أهمية البروفسور هنتنجتون إلى إنه في مقاله ” تصادم الحضارات ” ظل عالم سياسة وتنكب بعيداً من أن يكون فيلسوف تاريخ وفيلسوف حضارة . والحق إنه لأغراض العلم السياسي قام بمحاولة تجسير بين السياسة والفلسفة أو الأدق توظيف موضوع فلسفة الحضارة لصالح السياسة وأغراضها . والدليل على ذلك إن ” تصادم الحضارات ” هي إطروحة لما أسماه هنتنجتون ” ما بعد الحرب الباردة وإعادة بناء نظام العالم ” [5] . وهو إصطلاح ساد في التداول بعد لقاءات الرئيس الروسي ” ميخائيل كورباتشوف ” (1931 لازال حياً ويبلغ من العمر83 عاماً) [6] والرئيس الأمريكي ” جورج بوش الأب ” (1924 ولازال حياً) [7] وهو اللقاء الذي حدث خلال نهاية الحرب الباردة [8] .
والحقيقة إن هنتنجتون هو أستاذ أمريكي متخصص في العلوم السياسية ، وهو محافظ متزمت في رؤيته وميثدولوجيته الأكاديمية . ولد صامويل هنتنجتون في 18 نيسان (أبريل) من عام 1927 في مدينة نيويورك ، وهو إبن ” دورثي سانبورن (فيلبس) ” ، كاتبة القصة القصيرة الأمريكية المشهورة . وهو إبن ” ريتشارد توماس هنتنجتون ” ناشر مجلات التجارة الفندقية . كما إن جده من طرف أمه ، كان هو الأخر ناشراً مشهوراً ، وهو ” جون سانبورن فيليبس ” (1861 – 1949) [9] .
إلتحق هنتنجتون بجامعة ييل وتخرج منها بإمتياز . وفي عمر الثامنة عشر خدم في صفوف الجيش الأمريكي . ومن بعد التخرج من جامعة ييل سجل في جامعة شيكاغو وحصل منها على درجة الماجستير . وكتب إطروحته للدكتوراه في جامعة هارفرد ، ومن ثم بدأ فيها التعليم وكان عمره ثلاثة وعشرين ربيعاً [10] . ومن أول مؤلفاته الأكاديمية ، كتابه المعنون ” الجندي والدولة : النظرية السياسية للعلاقات العسكرية – المدنية ” والذي نُشر عام 1957 ، وكان موضوع جدل واسع حين صدوره . ولكن ” اليوم يُعدُ من أهم الكتب الكلاسيكية التي تركت أثراً واضحاً على العلاقات العسكرية – المدنية في أمريكا ” [11] .
ونسعى هنا إلى أن نبين للقارئ العربي الكريم ، بإن كتاب أو مقالة هنتنجتون المعنونة ” تصادم الحضارات ” لم يكن من كتبه ومقالاته الأولى ، وإنما سبقته مقالات وتأليفات عدة ، وبالتحديد جاء نشره بعد ” تسع وثلاثين سنة ” من نشر كتابه الأول ” الجندي والدولة … ” والذي نشره عام1957 . ولذلك نقدم هنا جرداً بكتبه التي كتبها قبل ” تصادم الحضارات ” ومن ثم نشير إلى كتبه أو مقالاته التي كتبها بعد مقالته ” تصادم الحضارات ” :
أولاً – الكتب والمقالات التي كتبها قبل صدور ” تصادم الحضارات “
1 – ” الجندي والدولة : نظرية سياسات العلاقات العسكرية – المدنية ” والذي صدر عام 1957 .
2 – ” الدفاع المشترك : برامج سيتراتيجية في السياسات القومية ، ونشر عام 1961 وتقريباً صدر بعد ما يُقارب الأربعة سنوات من كتابه الأول ” الجندي والدولة … ” .
3 – ” النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة ” ، وصدر عام 1968 أي ظهر إلى النور بعد سبع سنين من كتابه الثاني ” الدفاع المشترك … ” .
4 – ” أزمة الديمقراطية : حول قابلية الحكومة في النظم الديمقراطية ” والذي نُشر في عام 1976 وجاء تداوله في المكتبات بعد ثمان سنوات من كتابه المعنون ” النظام السياسي …” .
5 – ” السياسات الأمريكية : الواعدة بالتنافر ” وصدر عام 1981 أي بعد خمسة سنوات من كتابه ” أزمة الديمقراطية … ” .
6 – ” الموجة الثالثة : الديمقراطية في نهايات القرن العشرين ” والذي توافر للقارئ الأمريكي في عام 1991 ، وبالتحديد نشر بعد عشر سنوات من كتابه ” السياسات الأمريكية … ” .
ثانياً – الكتب والمقالات التي كتبها بعد صدور ” تصادم الحضارات ” والذي كان المقال رقم (7) في التسلسل والذي صدر في عام 1993 وأعاد نشره في كتاب موسع للمقال ، ومعه مناقشات ومناظرات لباحثين أخرين عام 1996 .
8 – ” قضايا حضارية : كيف تُشكل القيم التطور الإنساني ” والذي طبع عام 2000 وجاء بعد نشر مقال ” تصادم الحضارات ” في طبعته الأولى بسبع سنوات ، وأربعة سنوات بعد نشرته الثانية في كتاب .
9 – ” من نحن ؟ تحديات الهوية القومية الأمريكية ” وهو مقال ظهر في عام 2004 أي بعد النشرة الأولى لمقال ” تصادم الحضارات ” بإحدى عشرة سنة ، وبعد النشرة الثانية بثمانية سنيين ، وبعد كتابه أو مقاله ” قضايا حضارية … ” بأربعة سنوات . هذا هو تراث البروفسور هنتنجتون ومن ثم مكانة مقاله ” تصادم الحضارات ” بينها من طرف تاريخ النشر .
تصادم الحضارات بعيون أكاديمية
نحاول هنا تقديم قراءة لمقال هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” بصورته الأولى التي عرفها القارئ والأكاديمي على حد سواء . وبدايتنا التأكيد على إن بروفسور العلوم السياسية ” هنتنجتون ” نشر هذا المقال لأول مرة في دورية ” قضايا أجنبية ” [12] . وتكون المقال من عدة محاور مختصرة (ويبدو لنا المقال هو مخطط مستقبلي لبحث أكثر شمولاً أو كتاب وهذا فعلاً ما حدث بعد ما دار جدل حول المقال ومن ثم تتوج في توسعة ضمها الكتاب مع مناقشات متنوعة والذي نُشرعام 1996) . وجاء المقال في نشرة عام 1993 بالشكل الأتي :
1 – إنمودج أو نمط الصراع القادم [13] .
2 – طبيعة الحضارات [14] .
3 – لماذا ستتصادم الحضارات [15] .
4 – المناطق الرخوة (المتصدعة) ما بين الحضارات [16] .
5 – الحضارة الجامعة : الأعراض المرضية للقطر القريب [17] .
6 – الغرب في مواجهة البقية [18] .
7 – الأقطار المُمزقة [19] .
8 – الترابط الكونفوشيوسي – الإسلامي [20] .
9 – الأثار المترتبة على الغرب [21] .
هذا فيما يخص مقال ” تصادم الحضارات ” في نشرة دورية ” قضايا أجنبية ” . إلا إن البروفسور هنتنجتون توسع فيه ومن ثم ضم إليها مناقشات متنوعة ومن ثم صدرت نشرة جديدة ، هي نشرة عام 1996 والتي ظهر فيها إسم هنتنجتون مشرفاً وناشراً وليس مؤلفاً فحسب . وهنا سنقدم دراسة مركزة لمقال ” تصادم الحضارات ” [22] . ومن النافع أن نعود إلى نشرة عام 1993 ، والتي كانت فكرة المقال في الأصل محاضرة قدمها البروفسور هينتنجتون عام 1992 في معهد المشروع (الأنتبرايز) الأمريكي ، ومن ثم طورها إلى مقال عام 1993 .
ولكن في الحقيقة إن كل ذلك غير كاف ، فإن مقال البروفسور هينتنجون بجملته جاء إستجابة إلى كتاب تلميذه السابق ” بوشاهيرو فرنسيس فوكياما ” والمعنون ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير ” [23] . وفرنسيس فوكياما هو بروفسور العلوم السياسية ومدير برنامج ” الإنماء العالمي ” التابع لمعهد الدراسات العالمية المتقدم في جامعة هوبكنز .
وكما ذكرنا إن البروفسور هينتنجون قام بتوسيع مقاله ” تصادم الحضارات ” والذي نشره لأول مرة في مجلة ” قضايا أجنبية ” عام 1993 ، ومن ثم نشر التوسعة في كتاب عام 1996 مع تغييرات طفيفة في العنوان ” تصادم الحضارات وإعادة بناء النظام الجديد ” . ويبدو إن عبارة عنوان كتاب البروفسور هنتنجون ” تصادم الحضارات ” لم تكن من إنشائه الخاص ، بل إنها وردت قبل ذلك بثلاث سنوات في مقال للمؤرخ والباحث في الإستشراق الأمريكي – البريطاني ” برنارد لويس ” (1916 – تناهز عمره الآن 98 عاماً) ، وبالتحديد في مقاله المعنون ” جذور الغضب الإسلامي العارم ” والذي ظهر في مجلة ” إتلانتك ” الشهرية وبالتحديد في عام 1990 [24] .
ومن ثم إنكب الأكاديميون الغربيون في البحث عن جذور ومصادر عبارة أو عنوان هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” فوجدوا إنها كانت متداولة في مصادر تصعد إلى فترة بعيدة عن كتابات ” برنارد لويس ” التي تم الإشارة إليها سابقاً . وهذا الحال يحملنا على القول بإن ” برنارد لويس ” هو الأخر ربما تلقفها من العنوان الفرعي لكتاب ” باسيل ماثيوس ” والمعنون ” الإسلام الفتي في رحلته الهادئة : دراسة في تصادم الحضارات ” والذي صدر في عام 1926 [25] . أي قبل مقال ” برنارد لويس ” بما يُقرب ستة عقود ونصف (قبل أربع وستين عاماً) .
وكذلك لاحظنا إن هناك عدداً أخر من الباحثين من أمثال المستشرق الفرنسي ” لويس ماسينيون ” (1883 – 1962) صاحب دعوة الحوار المسيحي – الإسلامي ، الذي يرى إن تعبير ” تصادم الحضارات ” يصعد حتى إلى فترة تتخطى تاريخ صدور كتاب ” باسيل ماثيوس ” ويعود بها إلى الفترة الإستعمارية [26] ، والتي تم فيها إشتقاق التعبير من ” صراع الثقافات ” ، وهي الفترة ذاتها التي يُطلق عليها في فرنسا بالحقبة الجميلة ، والتي بدأت عام 1871 وإنتهت مع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، والتي يُحدد هويتها الأكاديميون ” بالتفاؤل والسلام في الوطن وفي عموم أوربا ، والتي صاحبتها تكنولوجيا جديدة وإكتشافات علمية … والتي تُصف على إنها العصر الذهبي ” [27] .
بينما إستهل هنتنجتون بحثه في ” تصادم الحضارات ” بتقديم عرض متنوع لطبيعة ” السياسات الكونية لفترة ما بعد الحرب الباردة ” ، فإن هناك عدداً من الباحثين ومنهم تلاميذ للبروفسور هنتنجتون ، من أمثال البروفسور ” فرنسيس فيوكاما ” يحسبون إن ” التاريخ وكذلك الإنسان وصلا إلى نهايتهما بالمفهوم الهيجلي ” [28] . في حين إن هنتنجتون بالمقابل يعتقد إنه مادام ” عصر الأيديولوجيا قد إنتهى ، فإن العالم عاد إلى الدولة التي تُعالج شؤون الصراع الحضاري ” . ومن ثم يجادل في ” إن المحاور الرئيسة لمثل هذا الصراع ستتخذ في المستقبل صوراً حضارية ودينية ” [29] .
التنوع الحضاري وتصادم الحضارات
لاحظ الباحث إن هنتنجتون يفترض بأن مفهوم ” الحضارات المختلفة ” ، هو بحد ذاته من المفاهيم التي تنتمي إلى ” القشرة العالية ” التي يسميها ” بالهوية الحضارية ” . وإعتقد بإن هذا المفهوم سيلعب دوراً ذات أهمية متزايدة في تحليل ” إحتمالية الصراع ” . وفعلاً عالج ذلك في مقاله السابق والمعنون ” تصادم الحضارات ” . ونقف عند عتبات الأسئلة التي أثارها هنتنجتون ونقدم لها إجابات ملخصة مختارة من النصوص التي كتبها هنتنجتون بقلمه :
ما نمط الصراع القادم في العالم الجديد ؟
ونحسب إن هنتنجتون رد على هذا السؤال وأفاد موضحاً : ” إن فرضيتي ترى إن المصدر الرئيس للصراع في هذا العالم الجديد ، سوف لن يكون أيديولوجياً كما لن يكون إقتصادياً ، بل إن المصدر الرئيس في تقسيم الناس ، والمصدر المهيمن في الصراع هو المصدر الحضاري . كما إن دول الشعوب والأمم ستبقى من أغلب العوامل القوية والأكثر فاعلية في شؤون العالم ، ولكن الصراع الأساس في سياسات العالم سيحدث بين الشعوب والأمم وجماعات من حضارات مختلفة . ولهذا فإن تصادم الحضارات سوف يُهيمن على سياسات العالم . وإن خطوط التصدع بين الحضارات ستكون هي خطوط المعركة في المستقبل ” [30] .
ما هي طبيعة الحضارات ؟
نحسبً في البداية الإشارة إلى إن ” هنتنجتون ” تخلى عن تقسيم دول العالم إلى ” ثلاثة عوالم ” كما كان سائداً في الأدب السياسي الكلاسيكي خلال ” الحرب الباردة ” . وهو الأدب الذي إعتاد على الحديث عن ” العالم الأول ” والذي يضم الدول الرأسمالية . والعالم الثاني والذي يضم منظومة ما كان يُسمى ” بالدول الشيوعية أو الإشتراكية على النمط الروسي ” . والعالم الثالث الذي يشمل ما كان يُصطلح عليه ” بدول عدم الإنحياز ” وبتسميات أخرى مثل ” الحياد الإيجابي ” والتي كانت متداولة يومذاك .
ولهذا يرى هنتنجتون إن هذه ” التقسيمات لدول العالم ” لم تعد ” مناسبة ، بل وفقدت معناها اليوم ” . وإن الحديث عن تقسيم دول العالم ” على أساس نُظمها الإقتصادية والسياسية أو حتى الحديث عن حدود تطورها الإقتصادي ” فإنه حديث لا معنى له في عالم اليوم . وإن التصنيف الدقيق أن ينهض على أساس ” مستواها الثقافي والحضاري ” [31] .
ويتساءل هنتجتون ؛ ماذا نعني بإصطلاح ” الحضارة ” في حديثنا ؟ ومن ثم يذهب موضحاً ، فيُفيد إلى إن ما نعنيه ، هو إن الحضارة بطبيعتها هي ” وحدة حضارية ” ومن هذا الطرف هي تضم ” قرى ومناطق وجماعات إثنية وقوميات وجماعات دينية ” والتي تمتلك ” مستويات مختلفة من عدم التجانس الحضاري ” . ولم يقف هنتجتون عند عتبات التنظير ، وإنما عززها بأمثلة حضارية . فمثلاً لاحظ إن ” الحضارة في قرية في جنوب إيطاليا مختلفة عما هو الحال عليه في قرية في شمال إيطاليا . ولكن كلاهما يُشاركان الحضارة الإيطالية ، والتي تُميزهما عن القرى الألمانية ” [32] .
ويخلص هنتنجتون من بحثه إلى الحقيقة القائلة ؛ إن ” الحضارات في دايناميك ” حيث إنها في حركة صعوداً وهبوطاً ، تبدأ بما أسماه ” بصعود ” ومن ثم يتلوها ” سقوط ” . وبعد ذلك تتعرض إلى ناموسي ” الإنقسام ” و ” الإندماج ” . والخاتمة التي يعرُفها طلاب التاريخ ، هو إن ” الحضارات ستتلاشى من الوجود ” فتنطفأ و ” تُدفن في رمال الزمن ” . ويحسبُ هنتنجتون بأن ” الغربيين ميالون إلى الإعتقاد بإن الدول ستظل من العوامل الرئيسة الفاعلة في تقرير مصير العالم ، وستبقى حية لبضع قرون ، ومن ثم تصل إلى مدياتها في تاريخ الإنسانية الذي هو بالطبع مضمار تاريخ الحضارات ” [33] . ومما لاحظه الباحث على المنهج الميثدولوجي للدكتور هنتنجتون إنه أشار إلى مصدره اليتيم في معالجة هذا الطرف من بحثه ” تصادم الحضارات ” وهو إعتماده على كتاب فيلسوف التاريخ البريطاني ” أرنولد توينبي ” (1889 – 1975) المشهور والمعنون ” دراسة التاريخ ” [34] ، والذي حدد فيه توينبي 21 حضارة من الحضارات الكبرى ، والتي بقيت منها 6 حضارات حية في عالمنا المعاصر [35] .
ويبدو لنا إن البروفسور هنتنجتون قد إستبطن بصورة واعية فكرة توينبي في ” الجيل الثالث ” من نشوء الحضارات ، وبالتحديد المجلد الثالث من موسوعته الفلسفية – التاريخية ، الموسومة ” دراسة التاريخ ” [36] . وكان عنوان المجلد الثالث ” تنامي الحضارات ” [37] . وهنا نقف ونترك القارئ الحصيف يُقارن بنفسه بين أفكار وردت في أطراف متنوعة من مقال هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” وعناوين ومضمونات المجلدات العشرة الأولى من موسوعة ” توينبي ” دراسة التاريخ ” .
لماذا تتصادم الحضارات ؟
يعتقد هنتنجتون إن ” هوية الحضارة ” ستُشكل طرفاً بالغ الأهمية في مستقبل العالم الجديد ، وذلك لأن الصورة الجوهرية للعالم ستتكون من خلال ” تفاعل سبع أو ثمان حضارات كبرى ، وهي الحضارة الغربية ، والكونفوشيوسية (منا : الصينية) ، واليابانية (منا : البوذية) ، والإسلامية ، والهندوسية (منا : الهند) ، وسلافك أورثوذوكس ، والأمريكية اللاتينية ، وإحتمال الحضارة الأفريقية ” [38] . ويتأمل هنتنجتون في قضية تصادم الحضارات في العالم الجديد ، فيرى إن الصراعات الأكثر أهمية التي ستحدث في المستقبل ، هي الصراعات التي ستندلع نيرانها فيما أسماه ” بالمناطق الرخوة (أو المتصدعة) ، وهي المناطق التي تفصل الحضارات بعضها عن البعض الأخر ” [39] . والحقيقة إن الشواهد والأمثلة التي إستشهد بها كثيرة ، منها :
أولاً – إن الإختلافات الظاهرة على سطح الحضارات وواجهاتها الأمامية ، هي ليست مجرد إختلافات وحسب ، بل هي إختلافات أساسية . ولعل الباحث يلحظ إن الحضارات تتميز كل واحدة منها عن الأخرى بالتاريخ ، واللغة ، والثقافة ، والتقاليد والأعراف . وإن الطرف الأكثر أهمية في الإختلاف هو الدين . والشواهد على ذلك كثيرة منها ، إن الشعوب من جميع الحضارات ، يختلفون في نظرتهم للعلاقات بين ” الله والإنسان ” وبين ” الفرد والجماعة ” وبين ” المواطن والدولة ” وبين ” الأباء والأبناء (الأطفال) ” وبين ” الزوجة والزوج ” . إضافة إلى إنهم يختلفون في وجهات نظرهم حول ” الحقوق والواجبات ” و ” الحرية والسلطة ” و ” هرمية (أو منازل) المساوات (منا الهرمية السياسية والإجتماعية والإقتصادية …) ” . وهذه الإختلافات هي نتاج قرون عديدة من السنيين . وبالتأكيد سوف لن تختفي حالاً أو في المستقبل القريب . وهي إختلافات جوهرية ومترسخة في الأعماق ، وهي بالطبع ليست مجرد ” إختلافات في الأيديولوجيات والأنظمة السياسية ” [40] .
ثانياً – كما إن العالم أصبح مكاناً جغرافياً صغيراً ، حيث سهل هذا الحال ” تزايد التفاعل بين الشعوب من حضارات مختلفة ” ، وبدوره أدى إلى ” تزايد حدة الوعي الحضاري ” ومن ثم ” الإلتفات إلى الإختلاف بين الحضارات ” [41] . وقدم هنتنجتون العديد من الأمثلة والشواهد ، وعلى سبيل الإختيار والإنتخاب ، منها ” الهجرة من شمال أفريقيا إلى فرنسا ، والتي ولدت مواقف عدائية بين الفرنسيين ” في حين بالمقابل ” تزايدت درجات الإستقبال للمهاجرين من الدول الأوربية الكاثوليكية ” . والحال كذلك بالنسبة ” للأمريكان فقد كانت لهم مواقف سلبية تجاه المستثمرين من اليابان ، مقارنة بالعدد الكبير من المستثمرين من كندا والبلدان الأوربية ” [42] .
ثالثاً – أدت عملية التحديث الإقتصادي والتغيير الإجتماعي التي حدثت في بنية العالم ، إلى ” فصل الشعوب من هويتها المحلية ” . وبالمقابل سببت ” ضعف الدولة الوطنية ” من أن تكون مصدراً من ” مصادر الهوية ” . ولملاً هذا الفراغ تحركت ديانات العالم ، وفعلاً جسرت وملأت هذه ” الهوة ” بصورة حركات دينية ، يمكن الإصطلاح عليها ” بالحركات الإصولية أو النزعات المتطرفة ” . ومن الأمثلة التي يستشهد بها هنتنجتون ” المسيحية الغربية ، واليهودية ، والبوذية ، والهندوسية ، إضافة إلى الإسلام (منا : مع نسيان هنتنجتون للكونفوشيوسية ” [43] .
ومن الملاحظ إن ” الفئة الأكثر فعالية ” في الحركات الأصولية / المتطرفة ، وبالطبع في أغلب البلدان ، وأغلب الديانات ، هي ” فئة الشباب الذين تخرجوا من الكليات ، والإختصاصيون والمهنيون ورجال الأعمال من أبناء الطبقة الوسطى ” . وعلى أساس هذا الحال ” فإن العالم لم يعد علمانياً ” بحدود ما . ويحسب هنتجتون إن هذا الواقع ، هو الذي حمل ” جورج فيجل ” (1951 – ) وهو متخصص في الكتابة عن الكنيسة والكاثوليكية [44] ، إلى ملاحظة إن واحدة من الحقائق الإجتماعية التي هيمنت على أواخر القرن العشرين ، هي ” إنتعاش الدين ” وبلغة كيلز كيبل [45] هي الحقيقة التي شكلت ” أساساً للهوية ، وهذا الإلتزام قاد إلى تخطي الحواجز القومية والتوحيد بين الحضارات ” [46] . أي التوحيد بين الحضارات على أساس ديني عقيدي .
رابعاً – تعزز نمو ” الوعي الحضاري ” عن طريق ” الدور المزدوج الذي لعبه الغرب ” . فمن طرف إن الغرب في قمة ” القوة والسلطة ” . ومن طرف أخر إن الغرب عاد إلى ” جذور الظاهرة التي حدثت بين الحضارات اللاغربية ” . ولعل الشاهد على ذلك إن المرء بدأ يسمع عن ” نزعات عادت إلى مايُسمى ” بالأسيوية في اليابان ” و ” نهاية تراث نهرو ” و ” النزعة الهندوسية في الهند ” و ” فشل الأفكار الإشتراكية الغربية ” و ” فشل الأفكار القومية ” و الحديث عن ” نزعة التحويل الإسلامي للشرق الأوسط ” ، ومن ثم الكلام عن المنافسة الدائرة بين ” النزعتين الغربية والروسية في بلاد بوريس بولسن ” وإن ” الغرب في قمة قوته يتحدى اللاغرب ” ومن ثم ” تزايد الرغبة والإرادة والمصادر إلى إعادة تشكيل العالم بطرق لاغربية ” [47] .
كما إن من الملاحظ إن النخب في المجتمعات اللاغربية في الماضي ، كانت دائماً مهتمة بشكل غير إعتيادي في الغرب . فمثلاً هذه النخب شدت الرحال وذهبت تتعلم في جامعات الغرب ، من مثل ” أكسفورد ” و” السوربون ” وغيرها ، ومن ثم تشربوا الإتجاهات والقيم الغربية . وفي الوقت ذاته فإن ” الجمهور العريض من هذه الأقطار اللاغربية ظلت منغمسة ومتشربة حتى النخاع في ثقافة السكان الأصليين ” . أما اليوم فإن حال العلاقات بين الطرفين إنقلبت بإتجاه معاكس ، حيث إن النخب في العالم اللاغربي أخذت ” بالإبتعاد عن الغرب والإنغماس في نزعات الثقافة المحلية للسكان الأصليين ” . وفي الوقت ذاته إن الغرب ، وخصوصاً في أمريكا ، فإن الثقافات ، وأساليب الحياة والعادات أصبحت سائدة ومهيمنة بين صفوف الجمهور الواسع [48] .
خامساً – تتميز الخصائص والإختلافات الحضارية ” بنوع من الثبات النسبي ” ، وهي ” أقل قبولاً للمساومات والحلول ” مُقارنة بالأطراف السياسية والإقتصادية . فمثلاً في الإتحاد السوفيتي السابق ، ممكن أن يكون ” الشيوعيون ديمقراطيون ” و ” الأغنياء ممكن أن يصبحوا فقراء ” و ” ممكن أن يتحول الفقراء إلى أغنياء ” . ولكن ” من غير الممكن أن يتحول الروس إلى إستونيين ” ، و ” من غير الممكن أن يتحول الأذربجانيون إلى أرمن ” . إلا إنه في ” الصراع الطبقي والأيديولوجي ” يُثار السؤال الأساس ، وهو ” مع من ستصطف ؟ ” .
وفعلاً فإن الشعب يستطيع أن يختار من بين الأطراف ، وقادر على أن يُغير هذه الأطراف . بينما السؤال في مضمار الصراع مختلف ، وهو ” من أنت ؟ ” وذلك لأن الأمر غير قابل للتغير والتبدل . ومن خلال معرفتنا التي تمتد من ” بوسنيا وإلى القوقاس وحتى السودان ” نستطيع القول ” إن الجواب الخطأ على السؤال ممكن أن يكون إطلاقة نار في الرأس ” بل وأكثر حدة من التمييز العنصري بين الناس على أساس الإثنيات والدين ” . فمثلاً ” الشخص ممكن أن يكون نصفه فرنسياً ونصفه الأخر عربياً ” وبذلك ممكن أن يكون ” مواطناً في بلدين ” . ولكن من الصعوبة ” أن يكون نصفه كاثوليكياً ونصفه مسلماً ” [49] .
وأخيراً – نلحظ إن النزعة الإقليمية (أو نزعة المجموعات) الإقتصادية أخذت بالنمو المتزايد وهذ ما نتوقعه في المستقبل القريب . وإن نجاح المجموعات الإقتصادية سيؤدي إلى ” تعزيز الوعي الحضاري ” الذي أخذ يضرب بجذوره في الأبعاد العميقة ” للحضارة المشتركة ” . فمثلاً إن ” الجماعة الأوربية ” ستستقر على ” أسس مشتركة من الحضارة الأوربية والديانة المسيحية الغربية ” . كما إن نجاح ” التجارة الحرة في شمال أمريكا سيعتمد على شكل من التجمع الذي هو في دور التطور حالياً ، والذي يضم الحضارات الثلاثة ؛ الأمريكية – الكندية – المكسيكية ” . في حين بالمقابل ” إن اليابان تواجه صعوبات في خلق وحدة إقتصادية في شرق أسيا ، وذلك بسبب إن المجتمع الياباني ، والحضارة اليابانية ، هما شكلان متفردان بطبعهما ” ونظن إن البروفسور هنتنجتون لم يلتفت إلى البوذية وأطيافها التي كونت الأساس الديني الذي هو طريق التقريب والتوحيد من اليابان وحتى التبت والصين وروسيا وعبر الهند ومنكوليا ودول جيران عديدة [50] . ورغم هذه الإختلافات الحضارية حسب فهم هنتنجتون ، فإن ” قوة التجارة والإستثمارات اليابانية ، ربما تحمل اليابان إلى تطوير نوع من العلاقات مع البلدان الأسيوية الشرقية ، مما يكون الحاصل تعزيز شكل من أشكال التكامل الإقتصادي مثل ما حدث في أوربا وأمريكا الشمالية ” [51] . وعلى عكس ما ذهب إليه هنتنجتون نرى إن الأساس العقيدي البوذي كان سوراً روحياً قوياً لتقريب اليابان وشدها مع مجموعة عريضة من دول أسيا الشرقية .
ويُلخص هنتنجتون حديثه عن المستويات التي ” تتصادم فيها الحضارات ” ويحددها في مستويين إثنين :
الأول – صدام الحضارات على مستوى ” مايكرو ” أي صدام الحضارات على مستوى (جزئي – صغير) . والمثال النظري الذي قدمه هنتنجتون ، هو إن ” الجماعات المتجاورة في المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ، تدخل في كفاح مع بعضها البعض من أجل السيطرة على أراضي الجماعات الأخرى ” [52] .
الثاني – صدام الحضارات على مستوى ” ماكرو ” أي صدام الحضارات على مستوى (كلي – شامل) . والشاهد الذي عرضه هنتنجتون ، هو إن ” دول من حضارات مختلفة ” تدخل في تنافس من أجل ” هيمنتها العسكرية والإقتصادية ” ، ولهذا ” تدخل في صراع ” ، وهي تتطلع إلى ” مكانة عالمية لها ” . وهدفها من كل هذا التنافس هو ” تعزيز ومن ثم فرض قيمها السياسية والدينية ” [53] .
ماهي المناطق الرخوة (المتصدعة) ما بين الحضارات ؟
تُعدُ قضية ” المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ” من القضايا البالغة الأهمية في الرؤية ” الجيوسياسية ” المُتشابكة مع مضماري ” فلسفة التاريخ ” و” فلسفة الحضارة ” والتي تجعل من بحث البروفسور هنتنجتون موضع تساؤل تتجاذبه ثلاثة مجالات لها مناهج أبستمولوجية (معرفية) مختلفة . صحيح جداً إن هنتنجتون جاء من فضاء ” العلوم السياسية ” وهذا هو مجاله الذي تخصص فيه ونجح فيه من زاوية الأبستمولوجيا للعلوم السياسية إلى حد ما . غير إنه ظل ” غريباً ” في الفضاءات الأبستمولوجية لمضماري ” فلسفة التاريخ ” و ” فلسفة الحضارة ” وبقي في أحسن الأحوال التي بحث فيهما ، يسبح على السطح ولم يتمكن من الغوص بعيداً في أعماق فلسفتي التاريخ والحضارة .
ولعل السبب إنه لم يتدرب أكاديمياً في عوالم فلسفتي التاريخ والحضارة ، وبالتحديد في ” ميتافيزيقا التاريخ ” و” ميتافيزيقا الحضارة ” [54] . ولكن والحق يُقال إن الرجل إقترب من موضوعات فلسفية عالجتها فلسفة التاريخ والحضارة وعلى الأقل في التصنيف الحضاري والعناوين المرتبطة بها . ونحسب إن مصادر هنتنجتون المعرفية في فلسفة التاريخ على الأقل كانت يتيمة ، حيث إقتصرت على موسوعة فيلسوف التاريخ البريطاني ” أرنولد توينبي ” والمعنونة ” دراسة التاريخ ” .
ولكل هذا فإن الباحث الأكاديمي المتخصص في أبستمولوجيات فلسفتي التاريخ والحضارة يشعر بالخيبة عندما يحاول تقويم أبحاث هنتنجتون من زاويتي فلسفتي التاريخ والحضارة ، وبالتحديد قراءة مقاله المعنون ” تصادم الحضارات ” ومن ثم كتابه الذي حمل العنوان ذاته . ونحسب من المفيد أن نخبر القارئ العربي إلى إن هذا الطرف من مقال هنتنجتون مهم جداً جداً ، ففيه أدلى البروفسور صماويل هنتنجتون بالكثير من الأمثلة عن الصراع أو بإصطلاحه ” المناطق الرخوة ” التي حدث فيها التصادم الحضاري بين ” عرب – الإسلام والغرب ” ولذلك ستكون لنا وقفة تأمل بحدود ما وذلك لتعريف القارئ العربي على الأراء التي أنتجها هنتنجتون ودونها بقلمه في هذا الصدد .
وبعد هذا الإيضاح المنهجي نعود إلى دائرة التساؤل ، ونرفع السؤال من جديد ؛ ما هي المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ؟ بدأ هنتنجتون بحثه لهذا المحور بالإشارة إلى ” إن المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ” حولت ” الحدود الأيديولوجية والسياسية للحرب الباردة ” إلى ” نقاط ساخنة ومناطق أزمات شهدت الكثير من المجازر الدموية ” . ومن ثم حفر في تاريخ العالم المعاصر ، فخلص إلى إن ” الحرب الباردة بدأت مع الأثار التي ولدها ” الجدار الحديدي ” والتي تمثلت ” بشطر أوربا سياسياً وأيديولوجياً ” . ومن ثم ” إنتهت الحرب الباردة ، ومعها تلاشى الجدار الحديدي كذلك ” [55] .
وعلى هذا الأساس وصل هنتنجتون إلى النتيجة الطبيعية ، وهي إن ” التقسيم الأيديولوجي لأوربا ، هو الأخر تلاشى ” ، ففسح المجال لتقسيم جديد ” وهو التقسيم الحضاري ” الذي فرض هيمنته وسطوته ، فكان الحاصل من ذلك إستقطاب ” وتقسيم حضاري ” بين ” المسيحية الغربية من طرف ” و ” المسيحية الأرثوذوكسية والإسلام من طرف أخر ” [56] . وللتذكير نقول أن هنتنجتون وقع في مطب ميثدولوجي وفكري عندما ربط هنا بين ” المسيحية الأورثوذكسية والإسلام ” ومن ثم سيربط في محور لاحق بين ” الكونفوشيوسية والإسلام ” ونحسب في هذا الربط تنافر صارخ بين عقيدي أورثوذكسي (وفيه درجات من المشاركة العقيدية بدرجات ما) وعقيدي كونفوشيوسي يتعارض حتى العظم مع العقيدي الأرثوذكسي وبالطبع مع الإسلام كذلك . فكيف حدث هذا ؟ سؤال يحتاج إلى حضور هنتنجتون من العالم الأخر ليقدم لنا فهماً لهذه الحيرة الأكاديمية بطرفيها الميثدولوجي والعقيدي . ونحن نعرفُ بأن العودة مستحيلة مثلما عملية التعادل بين الكونفوشيوسية من خلال العامل المشترك وهو الإسلام .
كما ولاحظنا إن هنتنجتون قد رسم بدقة ” المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ” وذلك من خلال الرسم ” الجيوسياسي ذو المنبت الحضاري – الديني ” الذي قسم حدود أوربا ” وهي بالطبع مسألة بالغة الأهمية من الزاوية الميثدولوجية . إلا إن من الحق أن نُشير إلى إن فكرة ” حدود التقسيم ” الحضاري – الديني ، قد نزلت إلى هنتنجتون عن طريق إطروحة ” وليم ويلس ” وهو الأكاديمي البريطاني (1941 – ) [57] التي ناقشها عندما إقترح ” الحدود الشرقية للمسيحية الغربية في عام 1500 ” [58] .
وهذه الحدود أو المناطق الرخوة تُشكل في الحقيقة مضمار حدودها التخوم الفاصلة ما بين ” فنلندا وروسيا ” و” دول البلطيق وروسيا ” وتقطع ” بيلاروسيا ويوكرينيا ” والتي تفصل ” معظم يوكرينيا الغربية الكاثوليكية ” من ” يوكرينيا الشرقية الأورثوذكسية ” . كما وتميل هذه الحدود غرباً لتفصل ” ترانسيلفانيا (وهي الجزء المركزي من رومانيا) من بقية رومانيا ” . ومن ثم ” تمتد إلى يوغسلافيا وتمتد على طول لتفصل كرواشيا وسلوفينيا من بقية يوغسلافيا ” . وفي ” البلقان فإن هذه الحدود تتطابق والحدود التاريخية بين إمبراطورية هايسبورغ (مملكة النمسا) والإمبراطورية العثمانية ” [59] . ولعل ما يُميز هذه الشعوب ، وبالطبع التي تسكن في الشمال والغرب من هذه الحدود ، إنهم أما ” بروتستانت ” أو ” كاثوليك ” وهم جميعاً ” يشاركون خبرات وتجارب التاريخ الأوربي ، والفترة الإقطاعية ، وعصر النهضة ، والإصلاح والتنوير والثورة الفرنسية ، والثورة الصناعية ” . كما إن ” أحوالهم الإقتصادية بصورة عامة ، هي أفضل بكثير من الشعوب التي تعيش في الشرق . وفي الوقت ذاته فهم يتطلعون لزيادة إنخراطهم في الإقتصاد الأوربي ، والتمسك بالإنظمة السياسية الديمقراطية ” [60] .
ويحسبُ هنتنجتون بالمقابل إن الشعوب التي تعيش في الشرق والجنوب من هذه الحدود ، فهم أما ” أرثوذوكس ” أو ” مسلمين ” وهم تاريخياً ينتمون إلى ” الإمبراطورية العثمانية ” أو ” الإمبراطورية الروسية القيصرية ” . وإن إتصالهم كان ضعيفاً في الأحداث الواقعة في بقية أوربا ، وهم على العموم ” أقل تقدماً إقتصادياً ” . كما إنهم ” أقل نزوعاً نحو تطوير أنظمة سياسية ديمقراطية مستقرة ” [61] .
كما وتداول هنتنجتون في مُعجمه التاريخي (وبالطبع الحضاري – السياسي) إصطلاحات من مثل ” الصمام الحديدي للحضارة ” و ” الجدار الحديدي الأيديولوجي ” ورأى إن ” الصمام الحديدي للحضارة ” أزاح ” الجدار الحديدي الأيديولوجي ” وحل مكانه ومن ثم إستشهد ” بالأحداث التي وقعت في يوغسلافيا ” وهي بالطبع لا تمثل ” حدود الإختلاف ” وإنما هي تمثل البعد الزمني ” لحدود الصراع الدموي ” [62] .
وفعلاً إن هذا الصراع حدث حسب فهم هنتنجتون ” في المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية ، والذي إمتد لفترة 1300 سنة ، وبالتحديد مع بزوغ شمس الإسلام ، وإنسياح العرب والمورو (المورش) [63] غرباً وشمالاً ، والذي توقف في عام 732م عند عتبات تور ” [64] . ومن ثم حدث تحول كبير في ” المناطق الرخوة ” فمن القرن الحادي عشر وحتى القرن الثالث عشر الميلاديين ” نجح الصليبيون بصورة موقتة من السيطرة على مناطق من الأراضي المقدسة (فلسطين) وجلبوا معهم المسيحية (منا المسيحية الغربية أو الأوربية) والحكم المسيحي ” . ولاحظ هنتنجتون إلى إنه مع ” تباشير القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر ، تمكن الأتراك العثمانيون من إعادة التوازن في المنطقة ” ، ومن ثم تقوت شوكتهم ” فإمتدت سلطتهم إلى الشرق الأوسط وبلاد البلقان ، وفرضوا هيمنتهم على القسطنطينية (إسطنبول) وتمكنوا من حصار مدينة فينا مرتين ” [65] .
ومن ثم يستشهد بالأحداث التي وقعت في ” المناطق الرخوة ما بين الحضارات ” فيذهب مفسراً وموضحاً إلى إنه مع ” القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين أخذت السلطة العثمانية بالضعف والإعتلال ” ، فبدأت ملامح تاريخ جديد يفرض ظلاله على المنطقة . وفعلاً فإن ” البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين جاءوا إلى المنطقة ، وأعادوا السيطرة الغربية على معظم شمال أفريقيا والشرق الأوسط ” [66] .
ولعل الشواهد التاريخية على ” تصادم الحضارات ” التي إستشهد بها هنتنجتون تحت مظلة ما أسماه ” المناطق الرخوة أو المتصدعة ” شواهد ذات أهمية منها النزعات التي هزت الطرف العربي من منطقة الشرق الأوسط . وهنا ينبغي نحتفل بالبروفسور ” صماويل هنتنجتون ” وبالتحديد على ” صوته الشجاع ” الذي يُشكل صورة مضيئة في تاريخ رجل أكاديمي قال كلمة ” الحق ” التي صمتت عنها الغالبية العظمى من ” عقول أكاديمية ” بوعي وبقصد إرضاء ” الفكرانيات الأكاديمية ” ومغازلتها على حساب الحقيقة . يقول هنتنجتون بصراحة ما بعدها صراحة وهو يُعلق على الحروب بين ” العرب وإسرائيل ” كطرف من أطراف النزاع في ” المناطق الرخوة والمتصدعة ما بين الحضارات ” بأن ” إسرائيل هي من صنع الغرب ” [67] وكلام هنتنجتون يعني بقوة بأن ” الحروب المستمرة بين العرب وإسرائيل هي من صنع الغرب ” . وأشعر بصوت خفي ما بين سطور هنتنجتون تهمس وتقول ” وكذلك فإن مأساة اليهود الغربيون على يد هتلر وما ترتب عليها من بحث الغرب عن وطن قومي لهم والذي تتوج بوعد بلفور هي من صنع الغرب ” وبتأييد ومباركة ملكية حجازية – عربية [68] .
هذه بعض من الشواهد على ” تصادم الحضارات ” والأمثلة كثيرة التي إستشهد بها البروفسور صماويل هنتنجتون ومنها ماحدث بعد الحرب العالمية الثانية ، والتي أخذ فيها ” صراع الحضارات ” وجهة جديدة أكثر بربرية ودموية . فالغرب ” أخذ يعتمد على الدول العربية في طاقته ” وبالتحديد على ” نفط العرب ” . والعرب من طرفهم تطلعوا إلى ” إمتلاك السلاح الغربي ” . ولعل ما قلناه عن ” حروب العرب مع إسرائيل ” مثالاً حياً نعيش مآساته اليوميه وهو شريان إقتصادي نازف وفيه تبديد للإقتصاد العربي وفيه ضحايا وتضييع لفرص حضارية يمكن أن تُستثمر لصالح الإنسانية . والأمثلة كثيرة منها إن ” فرنسا قاتلت بدموية مع الشعب الجزائري في الخمسينات من القرن العشرين ” . كما وإن ” فرنسا وبريطانيا (ومعهم إسرائيل) إحتلوا مصر في عام 1956 ” ، ومن ثم ” في عام 1958 تحركت القوات الأمريكية صوب لبنان ” [69] . كلها شهادات بقلم البروفسور الأمريكي ” صماويل هنتنجتون .
والحقيقة إن القائمة طويلة وتتخطى العرب وصراعهم مع الغرب ، فهناك أمثلة على ” تصادم الحضارات ” مع إيران سواء في تصادمها مع الغرب أو تصادمها مع العرب (العراق إنموذجاً) . كما إن ” عودة أمريكا إلى لبنان ” ، والهجوم على ليبيا ” و ” مواجهة إيران ” ، ومن ثم تصاعد الحرب بين العرب والغرب في عام 1990 وذلك عندما ” أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها المسلحة الضاربة إلى الخليج بسبب إحتلال قطر عربي لقطر عربي أخر ” . كما يصف هنتنجتون مشاعر العرب وبالتحديد ” مشاعر الفخر والزهو وذلك عندما هاجم صدام حسين إسرائيل ووقف بوجه الغرب ” . ولاحظ إن ” حالة من التعقيد أصابت العلاقات بين الإسلام والغرب ، وخصوصاً في مضماري ” الديمقراطية ” و” الإصلاح السياسي ” وعلى هذا الأساس كانت مظاهر ” تصادم الإسلام والغرب ” … [70] .
ما هي الحضارة الجامعة ؟ وما هي الأعراض المرضية للقطر القريب ؟
لاحظ الباحث إن البروفسور هنتنجتون قد إستهل بحثه لهذا المحور بما يشبه المقدمة النظرية ، وفي معظمها كانت ” تعميم إفتراضي ” في أحسن الأحوال من الزاوية الميثدولوجية يظل موضوع ” تمحيص ومراجعة وتدقيق ” يندرج في مضمار ” التأملات ” التي يلعب فيها ” الخيال الإنساني ” دوراً ملحوظاً وبذلك خلت من عملية المسح الإستقرائية التي يتميز بها البحث في طرفيه التاريخي والحضاري . وربما هذا التأمل والإفتراض يكون مقبولاً في مضمار العلوم السياسية وهو المجال الأكاديمي الذي تخصص فيه البروفسور هنتنجتون .
ولنبدأ بإفتراض هينتنجتون والذي يذهب فيه إلى إن ” جماعات أو دول ، والتي تنتمي إلى حضارة واحدة ، تدخل في حرب مع شعب من حضارة مختلفة . وطبيعياً إن هذه الجماعات والدول تحاول أن تستقطب أعضاء من حضارتها ، وتطلب منهم الدعم والمساعدة ” [71].
ويرى هنتنجتون إن هذا حدث في الفترة التي أعقبت ” الحرب الباردة ” ، والتي تميزت بسمة ” الحضارة الجامعة (أو المشتركة) والأعراض المرضية للقطر القريب ” وهذه العبارة الواصفة لهذه السمة ، قد تبناها هتنجتون من الكاتب الصحفي المخضرم في شؤون الحروب والصراعات ” هيك ديفيد سكوت كرينوي ” [72] .
ومن النافع الإشارة إلى إن عبارة – إصطلاح ” هيك كرينوي ” حسب هنتنجتون قد حلت مكان العبارات التقليدية من مثل ” الأيديولوجيا السياسية ” و ” إعتبارات قوى التوازن التقليدية ” ومن ثم تحولت إلى ” أسس مبدئية في التعاون والتحالف ” . وفعلاً فإن هذا تم ملاحظته في ” إندلاع صراعات في فترة ما بعد الحرب الباردة في منطقة الخليج الفارسي (هكذا وردت وفيها إنحياز غربي وإصرار غربي على عدم تسميتها بالخليج العربي رغم إن معظم الدول المُطلة عليه هي دول عربية وإنما بقصد غربي لزرع ألغام جغرافية وإصطلاحات سياسية – حضارية وترويجها لتفجير موجات عداء مستمرة …) كذلك في القوقاز وبوسنيا ” .
وحسب عقيدة هنتنجتون إن ” لا واحدة من هذه البلدان في حروبها ” تندرج تحت ما أسماه ” بالحروب ما بين الحضارات ” [73] . إلا إنه يعود ويؤكد على ” إن كل واحدة من هذه البلدان تُشارك في مبادئ وأطراف من الحضارة الجامعة (أو المشتركة) ” . والتي كما تبدو ” إنها أصبحت أكثر أهمية في الصراع الجاري ، ومن المحتمل إن تحمل دليلاً مُنذراً للمستقبل ” . ومن الأمثلة التي يستشهد بها هينتنجتون :
أولاً – إن ما حدث في ” حرب الخليج العربي ، إن واحدة من الدول العربية إحتلت دولة عربية أخرى . ومن ثم إندلع قتال قادته قوى تحالف عربي وغربي وشاركت به دول أخرى ” . وبينما ساند ” صدام حسين (1937 – 2007) عدد قليل من الحكومات الإسلامية ” ، فإن ” العديد من النُخب العربية ” كانت ” مُبتهجة وتُعبر عن سعادتها الشخصية له ” ، والذي كان (أي صدام حسين) على حد تعبير هنتنجتون : شخصية شعبية لفئات عريضة من الجمهور العربي ” . وكذلك ” ساندت العراق الحركات الإصولية الإسلامية ” . بينما كانت ” حكومة الكويت والسعودية مدعومتين بمساندة الحكومات الغربية ” [74] .
ونحسبُ إن البروفسور هنتنجتون وهو يبحث في تفاصيل ” الحضارة الجامعة والأعراض المرضية للقطر القريب ” قد واجه مُعضلة منهجية كبيرة ، وهوكيف يُصنف الحرب بين العراق والغرب (ومع الغرب العرب المستغربين) هذا طرف . والطرف الثاني الذي يحمل تحدياً للبروفسور إن عنوان مقاله وكتابه ، هو ” تصادم الحضارات ” وإن عنوان المضمون الداخلي للمقال والكتاب ، هو ” صراع الحضارات ” . فما كان عليه إلا إن يقف موقف المتشكك ، ويحسم القضية بترجيح يُفيد بأن هذه الحرب ليست ” حرب حضارات ” [75] .
وهنا أشعر كأكاديمي متمرس في البحث بحجم المعضلة المنهجية التي واجهها هنتنجتون ، وهي كيفية إقناع القارئ الأكاديمي وكذلك القارئ العام بأن هناك ” تصادم حضارات ” و ” حرب حضارات ” . وبجرة قلم قرر إنها ” حرب حضارات ” . حقيقة إننا ندرك إنه من الصعوبة بمكان على هنتنجتون أن يتخلى عن إصطلاحاته وعنوان مقاله وكتابه ” تصادم الحضارات ” ومن ثم يتخلى عن المضمون الداخلي لهما ، وهو ” صراع الحضارات ” . فجاء حله السحري وليس الأكاديمي بالطبع ، فقام برمي الحجر على الشاطئ الأخر ، وإستشهد بإفادة عربية ومن ثم إسلامية ، ودفع بأصحابها أن يتكلموا بإسمه ويصفون الحرب بإصطلاحاته السابقة والتي تخلى عنها في هذا المحور من مقاله ” تصادم الحضارات ” . والسبب رغبة غربية عند هنتنجتون في تعطيل إصطلاحه وتشغيل بدلاً عنه عنوان جديد ، هو ” الحضارة الجامعة والأعراض المرضية للقطر القريب ” وذلك ليتخفى خلفه ويضع إطروحته الحضارية في تناقض صارخ .
هذا قدرنا نحن الأكاديميون الإنسانيون في الحوار والتعامل مع إطروحات حضارية صادرة من دوائر أكاديمية غربية موجهة توجيهاً أيديولوجياً سياسياً . فمن الملاحظ إن هنتنجتون قد جاهد في هذا المقال – الكتاب على ” فصل الطرف الحضاري عن الطرف الإيديولوجي والسياسي ” وهذا هو الأساس لإطروحته ” تصادم الحضارات ” . إلا إن هنتنجتون عندما جاء إلى ما حدث في الخليج العربي خصوصاً (ويشمل مناطق القوقاز والبوسنه) عاد وجدد الروح في الطرف الأيديولوجي – السياسي الذي تعطل حسب إعلان هنتنجتون ومات مع ” الحرب الباردة ” . ونحسبً إن الأكاديمي هنتنجتون قد تخلى عن منهجه الأكاديمي في هذه اللحظة من البحث ، و” عانق صنمه الأيديولوجي – السياسي ” ودثره بإصطلاح تبناه من الصحفي الأمريكي ” هيك ديفيد سكوت كرينوي” وهو ” الحضارة الجامعة والأعراض المرضية للقطر القريب ” [76] .
يقول هنتنجتون ولما تنكر العرب وداروا ظهورهم (إلى صدام حسين) ، فإن صدام حسين مال إلى المسلمين وناشدهم صراحة ” ولذلك يحسب البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” إن صدام حسين وكل الذين وقفوا معه حاولوا تحديد الحرب بأنها ” حرب حضارات ” وإنها ” ليست بحرب العالم ضد العراق ” . وهذا الأمر وصفه ” الشيخ السعودي الدكتور سفر عبد الرحمن الحوالي ” [77] وهو عميد الدراسات الإسلامية في جامعة ” أم القرى ” في مكة ، بأنها ” حرب الغرب ضد الإسلام ” [78] . ويؤكد هنتنجتون على إن المسلمين تناسوا عداوتهم وتنافسهم وبالتحديد ما حدث بين ” العراق وإيران ” والشاهد على ذلك ” دعوة القائد الديني الإيراني آية الله علي خامنئي إلى الحرب المقدسة ضد الغرب ” ومن ثم ناشد خامنئي (1939 – لايزال حياً وعمره جاوز 75 عاماً ” المسلمين للكفاح ضد الإعتداء الأمريكي ، والطمع والخطط والسياسات الأمريكية ، وسنحسبه (هكذا قال خامنئي) جهاداً ، وإن أي شخص سيُقتل في هذا الطريق هو شهيد ” [79] .
وقدم هنتنجتون مثالاً عربياً مُعاصراً له دلالته ومصداقيته على مضمون ” الحرب التي قادها الغرب وشارك فيها الأشقاء العرب ” وهو المثال الذي لازال شاخصاً أمام أنظار العالم عرباً وشرقاً وغرباً ، فذهب مُشيراً إلى إن ” الملك حسين ” (1935 – 1999) ملك الأردن والذي جادل في هذه القضية ، وذهب إلى إن هذه الحرب ” ضد العرب جميعاً ، وضد المسلمين جميعاً ، وهي ليست ضد العراق لوحده ” [80] .
كما لاحظ هنتنجتون بأن مجاميع ملحوظة من ” النُخب العربية والشعبية قد وقفت مع صدام حسين ” . وهذ الحال ” سبب للحكومات العربية التي شكلت تحالفاً مُعارضاً للعراق (مآزقاً) ولذلك أخذت تُخفف من نشاطاتها وتُعدل من خطاباتها للجمهور العريض ، ومن ثم سعت إلى أن تنأى بنفسها بعيداً من الضغوط الغربية على العراق ، وخصوصاً فيما يخص منطقة الحظر الجوي التي فرضتها في صيف 1992 ، وكذلك في قصف العراق في كانون الثاني عام 1993 ” . والحاصل من ذلك إن تحول ” التحالف الغربي – الروسي التركي العربي ” ضد العراق في 1993 . نقول تحول إلى مجرد تحالف ” يقتصر فقط على الغرب والكويت ضد العراق ” [81] .
ومن ثم أشار هنتنجتون إلى إن ” المسلمين أخذوا يُقارنون بين أفعال الغرب ضد العراق ” ومعايير الغرب المزدوجة . فمثلاً إن ” الغرب فشل فشلاَ ذريعاً في حماية البوسنيين من هجمات الصرب ” . كما فشل ” الغرب في فرض عقوبات على إسرائيل في عنفها وإختراقها لقرارات الأمم المتحدة ” . ولذلك (كما يذكر هنتنجتون) زعم المسلمون بأن ” الغرب يستخدم معايير مزدوجة ” وإن ” عالم تصادم الحضارات ” هو ” عالم محتوم عليه أن يكون عالم ذات معايير مزدوجة ” . فالشعوب ” تستخدم معايير خاصة لأقطارها الغربية ، ومعايير أخرى مختلفة للأخرين ” [82] .
ثانياً – إن الأعراض المرضية للقطر القريب قد ظهرت كذلك في ” بلدان الإتحاد السوفيتي السابق ” . وفعلاً كما يقول هنتنجتون ” إن الجيش الأرميني نجح في عامي 1992 و1993 من إثارة الأتراك ودفعهم إلى أن يُصعدوا من مساعدتهم لإخوانهم في الدين والإثنية واللغة في أذربيجان ” . وتأتي مصاداقية ذلك في ما قاله في عام 1992 واحد من الساسة القيادين الأتراك ، فأفاد ” إن شعبنا التركي يشعر بتعاطف عال وكأنهم أذربيجانيين ” . وكل هذا جاء متناغماً مع ما صرح به ” الرئيس التركي تورغوت أوزال ” (1927 – 1993) والذي أفاد ” إننا نواجه ضغوط كبيرة ، وإن صحفنا مملوءة بالصور التي تفصح عن الفضائح العدوانية ، وشعبنا يتساءل ؛ هل إننا لا نزال جادون في سياستنا الحيادية ، وإنه من الأفضل أن نبين للأرمن بأن تركيا الكبرى لازالت في المنطقة ” [83] .
ومن الملاحظ إنه في السنوات الأخيرة من وجود الإتحاد السوفيتي ” إن الحكومة الروسية قد ساعدت الأذربيجانيين بسسب إن الغالبية في الحكومة الأذربيجانية كانوا شيوعيون ” . ولكن مع نهاية الإتحاد السوفيتي ، فإن ” الإعتبارات السياسية أخذت طريقاً جديداً ، فحلت محلها الإعتبارات الدينية ، فالقوات الروسية أخذت تقاتل جنباً بجنب الأرمن ، والأذربجانيون إتهموا الحكومة الروسية بأنها تغيرت 180 درجة ووقفت مع الأرمن المسيحيين ” [84] .
ثالثاً – يحترم هنتنجتون كل الإعتبارات التي رافقت ” القتال في يوغسلافيا السابقة ” كما إنه متفهم ” لتعاطف الجمهور الغربي مع البوسنيين المسلمين ، وهذا كان واضح في مساعدتهم في لحظات الرعب والخوف التي سببها لهم الصرب ” . وبالمقابل فإن الإهتمام الغربي أخذ نبرة عدم المبالات ” حول إعتداءات الكرواشيون على المسلمين ، وتقطيعهم البوسنه – والهرسك إلى أوصال ممزقة ” . ولاحظ هنتنجتون بأنه ” في بداية تفكك يوغسلافيا ” ، فإن ألمانيا لعبت دوراً غير معهود لها ” فقامت بمبادرة دبلوماسية ، حيث دعت 11 عضواً من الجماعة الأوربية ، وقادتهم للإعتراف بسلوفانيا وكرواشيا ” . ونتيجة لذلك فإن البابا قرر ” مساعدة هذين القطرين الكاثوليكيين ، بل وإن الفاتيكان إعترف بهما قبل إعتراف الجماعة الأوربية ” . ومن ثم ” تابعت الولايات المتحدة الأمريكية القيادات الأوربية ” . وهكذا كما يحسب هنتنجتون ” إن القيادات الفاعلة في الحضارة الغربية قد تجمعت بصف هذا التحالف ” [85] .
وفعلاً فإن التقارير جاءت لتكشف عن تسليح ” كرواشيا بالعتاد العسكري ، وإن التجهيزات العسكرية وصلت من بلدان أوربا المركزية . كما إن حكومة بوليس يلسن قد لعبت دوراً وسطاً ، فمن جهة كانت متعاطفة مع الصرب الأرذوكس ، ومن طرف أخر كانت غير راغبة في عزل روسيا عن الغرب ” . كما إن ” الجماعات الروسية المحافظة والقوميين الروس قد هاجموا الحكومة في ترددها في مساعدة الصرب ، ويبدو إن رد الفعل تمثل في بواكير عام 1993 فقد ذكرت التقارير بإن بضعة مئات من المقاتلين الروس قد شاركوا القوات الصربية في القتال . ومن ثم أكدت التقارير بأن الجيش الروسي أخذ يُساعد الصربيين بالتجهيزات العسكرية ” [86] .
ومن طرف أخر كما يرى هنتنجتون إن الجماعات والحكومات الإسلامية وبخت الغرب بشدة على تأخرها في الدفاع عن البوسنيين . فمثلاً إن القادة الإيرانيون ألحوا على جميع الأقطار الإسلامية بتقديم المساعدات إلى البوسنيين . بل وخرقت قرارات الأمم المتحدة المفروضة على حظر توريد الأسلحة إلى المناطق المتنازعة عليها في يوغسلافيا السابقة ، فمثلاً إن إيران قامت بتوفير التجهيزات العسكرية والرجال المتطوعين للقتال مع البوسنيين . كما إن الجماعات الإيرانية واللبنانية قامت بإرسال ” رجال العصابات ” من أجل تدريب وتنظيم القوات البوسنية . وفعلاً فإن التقارير تشير إلى إن أعداد المسلمين المسلحين قد وصلت إلى 4000 مقاتل جاءوا من أقطار إسلامية متنوعة وكان جميعهم يُقاتلون في البوسنه .
وفي ظل هذه الأجواء ، وجدت حكومات مثل المملكة العربية السعودية وأقطار أخرى نفسها تحت ضغوط شعبية وخصوصاً من جماعات إصولية تطالب مجتمعاتها بالمزيد من المساعدات الجدية إلى البوسنيين . وفعلاً ففي نهاية عام 1992 إن المملكة العربية السعودية – كما تذكر التقارير – قامت بتقديم التجهيزات الأساسية ، ودعم بالمال من أجل توفير التجهيزات العسكرية والمعدات للبوسنيين وذلك لزيادة قدراتهم الدفاعية ضد الصرب [87] .
ويُعلق هنتنجتون على ما حدث في أقطار يوغسلافيا السابقة ، ويُقارن ذلك بما رافق الحرب الأهلية الأسبانية في الثلاثينات من القرن المنصرم (1930) فيقول ” إن الحرب الأهلية الإسبانية ، حملت العديد من الأقطار للتدخل في الحرب ، والتي كانت ذات أنظمة سياسية مختلفة ، منها أنظة فاشية وشيوعية وديمقراطية . وفي تسعينيات القرن المنصرم (1990) فإن الصراع اليوغسلافي أثار ودفع بتدخل أقطار إسلامية ، ومسيحية أرذوكسية وأقطار مسيحية غربية ” . ومن جهة أخرى ” إن الحرب في البوسنه والهرسك أصبحت مُعادلاً من الناحية العاطفية للحرب ضد الفاشية في الحرب الأهلية الأسبانية ” . وهذا ما لاحظه واحداً من الكتاب السعوديين فقال ” إن هؤلاء الذين قاتلوا هناك (منا : أي في البوسنه والهرسك) يُعدون شهداء وحاولوا إنقاذ إخوانهم من المسلمين ” [88] .
ولاحظنا إن البروفسور هنتنجتون في خاتمة هذا المحور يعود إلى عنوان مقاله – الكتاب ” تصادم الحضارات ” ويصيغ طريق العودة على شكل ” توقع أو تكهن ” ، فيقول ” ويبدو إنه في السنوات القادمات ، إن هذه الصراعات المحلية على الأغلب ستتصاعد إلى صورة حروب كبرى ، وهي الصراعات في البوسنه والقوقاز ، والتي تُشكل اليوم مناطق ” الحدود الرخوة أو المتصدعة بين الحضارات ” . وإن ” الحرب العالمية القادمة إذا ما حدثت فإنها ستكون بين الحضارات ” [89] .
كيف ستكون مواجهة الغرب للبقية ؟
نحسب بداية أن نشير إلى الحقيقة التي تناساها البروفسور هنتنجتون ، وهي حقيقة يعرفها كل من إشتغل في مضماري ” فلسفة التاريخ والحضارة ” غرباً وشرقاً ، وهي مساهمة ومشاركة الشعوب ومن ثم النتاج الحضاري لأمم متنوعة في الحضارة الغربية ، وخصوصاً في مرحلة التأسيس والإنطلاق . ولعل القارئ الأكاديمي المتخصص يعرف مقدار وحجم الإنجاز الحضاري العربي ومن ثم العبري والأسيوي في إنشاء قاعدة الإقلاع الحضاري الغربي هذا طرف . وإن المتابع المعاصر للحركة العلمية والفكرية في الغرب يلحظ إن أسماء كبيرة تقود عملية التطوير العلمي سواء في الأكاديميات الغربية أو في المخابر العلمية . ولهذا فإن السؤال الملحاح ؛ هو أي حضارة غربية يتحدثون عنها ، إنها لم تعد غربية بالمعنى التقليدي إنها نتاج إنساني متوارث وصل إلى درجات من الرقي العلمي والتقني في بلاد الغرب .
هذه مسألة غابت (وليس لدينا شك بأن البروفسور هنتنجتون تناساها بقصد) من ذهنية بروفسور العلوم السياسية ولهذا نظن إن هنتنجتون لو تدرب أكاديمياً ليكون ” فيلسوف تاريخ أو حضارة ” لقدم بحثاً في مضمار ” تصادم الحضارات ” إنسانياً يتعالى على الحدود الضيقة التي سجن نفسه فيها ، فظل بحثه مخنوقاً ولم يتمكن من الصعود إلى الطوابق العالية الإنسانية من البحث الفلسفي في التاريخ والحضارة .
وفعلاً فقد بدأ هنتنجتون بحثه في هذا المحور بالإشارة إلى إن ” الغرب اليوم هو في مصاف القوى الكبرى (منا : التي إنفردت بالعالم مع كل الأسف) والتي تحتل ” قمة الهرم العالي ” في ” علاقاتها مع الحضارات الأخرى ” [90] ، ومن ثم يستمر فيضيف إلى إن ” القوى الكبرى التي كانت تُعادي الغرب قد إختفت من الخارطة (منا : هذا كلام إنشائي عام غير صحيح مع الأسف أن نقول للبروفسور هنتنجتون) ، كما إن الصراعات العسكرية بين الدول الغربية بعضها مع البعض الأخر غير واردة . كما إن القوى الغربية العسكرية هي ليست في حالة تنافس وتمحور وإستقطاب [91] .
حقيقة لقد تناسى البروفسور هنتنجتون حقيقة إقتصادية خطيرة ، منها هي إن إقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية (الدولة العظمى الغربية) مرهون ومُجير إلى أجل غير مسمى بيد الحكومة الأسيوية – الشرقية الصين (التي أطلق عليها هنتنجتون وعلى مجموعتها إصطلاح الدول الكونفوشيوسية) البُعبع المتخفي في المصباح السحري لعلي بابا ، إن أمريكا أصبحت عاجزة من تسديد ديونها للمارد الإقتصادي الصيني وإنها لم تتمكن من إطفاءها لعقود من السنيين ، وإستسلمت فقط إلى دفع الفوائد الباهضة على ديونها منذ سنيين . إن كُتاب السياسة عاجزون عن إدراك عوامل النخر والتصدع في جسم الحضارات … أو إنهم بقصد يحاولون ” تضليل الشعب الأمريكي ” ومن خلاله الشعوب الأخرى ومسخ الحقيقة وتسمية الأشياء بغير مسميتها …
ويبدو إن الغرب في حيرة ويعيش ” صدمة حضارية جديدة ” ، فهناك ” بعبع جبار جديد متخفي في مصباح علاء الدين السحري وهو ” المارد الإقتصادي الياباني ” (والذي هو مرشح لقيادة مجموعة الدول البوذية) [92] وهي (أي اليابان) عدو الماضي القريب و ” الحليف مع ألمانيا النازية ” . وهناك بُعبع ثالث يتنامى بنبض متوالية هندسية سريعة وهو بعبع كوريا الشمالية ، إضافة إلى بُعبع الهند الرابع (والمتسور بهندوسية والمُرشح بقيادة الدول الهندوسية أو البراهمية) [93] والذي لا يتوقع أحد متى سيُفاجئ الجميع بنهوضه .. زائداً بُعبع خامس نهض وتم قمعه وتحدث عنه المفكر الإسلامي النهضوي المعاصر ” مالك بن نبي ” ، وهو محور ” دول طنجا – جكارتا ولا أحد يعرف متى سيطل من جديد مارداً عالمياً جباراً …[94]
وعودة إلى البُعبع والمارد الياباني فإن الغرب وخصوصاً أمريكا ، يسعيان بقوة جبرية إلى ضمه تحت تحالف ينسف مفهوم ” الغرب والحضارة الغربية المُتسيدة ” ، وبدلاً من ذلك حل محله الحديث إذا ما تم تداول إصطلاحات غربية جديدة ، من مثل ” الجماعة أو المجموعة العالمية ” . وهي المظلة السياسية التي تسمح بضم اليابان إليها ، وهو المارد الإقتصادي المنفلت والمتخفي من سيطرة الغرب .
وفعلاً فقد لاحظنا إن البروفسور هنتنجتون قد تابع التطور في حركة نمو الإصطلاحات ، وتخلى عن إصطلاح الغرب (وبالطبع نحسب إن هذا يتضمن تخليه عن إصطلاح الحضارة الغربية وهذا يشمل تصادم الحضارات عنوان كتابه الذي سيكون فيه غياب للحضارة الغربية كذلك…) مثلما تخلى رئيس الوزراء البريطاني ” جون ميجر ” عنه في حديثه الذي أورده هنتنجتون في هامش (ص 39) من مقاله ” تصادم الحضارات ” . وفعلاً فإن ” ميجر ” قام بتصحيح نفسه عندما ذكر ” الغرب ” وكأنه أصبح إصطلاح ينتمي إلى ” ميراث الماضي المطمور ” وإن إصطلاح ” المجوعة أو الجماعة العالمية (الدولية) ” هو الإصطلاح المناسب والمنسجم مع ” النبض السياسي والحضاري للنظام العالمي ” الذي تكون جديداً وخلف وراءه التراث السياسي والحضاري للغرب دون رجعة .
يقول رئيس الوزراء السابق ” جون ميجر ” وإعتماداً على رواية البروفسور هنتنجتون ، ” إن قادة الغرب يزعمون بأنهم غالباً ما يتصرفون نيابة عن الجماعة الدولية ، ولكن زلة اللسان أو هفوة حدثت خلال حرب الخليج (ومن زاوية علم النفس الفرويدي وهو غربي لحماً ودماً وتفكيراً إن زلة اللسان والهفوة هي كل الحقيقة قبل أن تتدثر بغطاء من الزيف والكذب) . ففي مقابلة مع جريدة ” صباح الخير أمريكا ” ، وفي 21 ديسمبر 1990 قال رئيس الوزراء البريطاني السابق ” جون ميجر ” وهو يشير إلى أفعال الغرب التي إتخذتها يومذاك ضد الرئيس العراقي صدام حسين ، وبسرعة سحرية ينتبه ” ميجر ” من صحوته ، ويقوم بتصحيح هفوته ، ويشير بدلاً من الغرب إلى الإصطلاح السياسي المعتم الجديد ، وهو ” الجماعة أو المجموعة الدولية ” . ومن ثم يُعلق البروفسور هنتنجتون على ذلك المشهد ، فيقول ” لقد كان جون ميجر ، على أية حال ، على صح عندما أخطأ ” [95] . وهناك تفاصيل على هذا المحور ونكتفي بهذه الأمثلة في كيف إن الغرب واجه العالم وبلغة هنتنجتون ” البقية ” [96] .
ما هي ماهية الأقطار الممزقة ؟
يبدو لنا إن عنوان هذا المحور ومن ثم مضمونه يتعارض من الزاوية الميثدلوجية مع عنوان ومضمون محور سابق عالجه البروفسور هنتنجتون بقلمه ، وهو محور كان بعنوان ” المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ” . وهذا الحال ما كنا نتمناه للبروفسور وهو الأكاديمي المتمرس أن ينتهي إليه في فهم ” مسيرة الحضارات ومناطق إختناقاتها ” . ولعل هذا الحال فيه حق كثير ، يحملنا على القول ” إن السبب هو بسيط ، وهو إن قلم هنتنجتون في معالجة الموضوع كان بيراع رجل السياسة ، الذي لم يكن مؤهلاً أكاديمياً من الصعود إلى الطوابق العالية لمبحثي ” فلسفة التاريخ وفلسفة الحضارة ” وهما المبحثين العتيدين في ” دراسة قضايا الحضارات ” . ومن المعلوم لقارئ هذا البحث ، إن عنوان مقال وكتاب هنتنجتون هو ” تصادم الحضارات ” والمضمون فيه معالجة طاغية لصراع الحضارات . والذي كان مقبولاً إلى حد ما في المحور السابق .
غير إن عنوان المحور الحالي يتضمن معنى أساس متخفي وهو ” تعاون الحضارات ” أو ” تقارب الحضارات ” والذي سيكون المقياس المخرمي لمعرفة ” الحضارات المتعاونة أو المتقاربة ” وبالمقابل تشخيص ” الحضارات المفككة ” و ” الحضارات المتوارية ” والتي إنتهت أقطارها إلى ” حالة من التمزق والتشرذم ” بعد إن غادرت بقصد أو بإجبار حالة ” المشاركة الحضارية أو التجمع الحضاري ” .
ولنعود إلى النص الهنتنجتوني (نسبة إلى البروفسور هنتنجتون) وذلك من أجل البحث عن جواب وماصدق ودلالة على سؤاله ” ما هي ماهية الأقطار الممزقة ؟ ” [97] . إستهل هنتنجتون حديثه عن الأقطار الممزقة ، بالكلام عن ” المستقبل ” وهذا الكلام يدخل في باب ” الذي يأتي ولا يأتي ” [98] وفقاً لعنوان الشاعر العراقي الكبير ” عبد الوهاب البياتي ” (1926 – 1999) ، وهو باب يعمل ويشتغل فيه الخيال الإنساني أكثر مما يعمل فيه عالم السياسة الذي يتعامل مع الواقع ويحلل مايجري ويُحاكمه ومن ثم يُقيمه . وفي أضعف الإيمان هو مضمار يـتأمل فيه فيلسوف التاريخ والحضارة . وفي كلا الحالين غابت شخصية البروفسور هنتنجتون وهو يبحث عن إجابة من الناحية الميثدولوجية لسؤاله (ما هي ماهية الأقطار الممزقة ؟) لقد قلنا قبل قليل إن هنتنجتون إستهل جوابه بالحديث عن ” المسقبل ” وهو باب ” الخيال والأحلام ” ، يقول هنتنجتون ” في المستقبل ستُميزُ الشعوب نفسها بالحضارة ، وإن الأقطار التي تتكون من عدد من الشعوب ذات الحضارات المختلفة من مثل الإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا ، فهي مُرشحة ” للإنقسام والتشرذم ” [99] .
ومن ثم يُجادل هنتنجتون ، فيذهب إلى إن ” بعض من البلدان إمتلكت بدرجات ما بعض التجانس الحضاري ” . غير إنها منقسمة حول قضية إن ” مجتمعاتهم تنتمي مرة إلى واحدة من الحضارات ، ومرة إنها تنتمي إلى حضارة أخرى ” . وهذا الأمر ” مزق هذه البلدان ” ، إلا إن ” قادتهم مارسوا ضغوطاً ستراتيجية حقيقية وعملوا من بلدانهم أعضاء من مجموعة الدول الغربية ” . وبالمقابل إن ” تاريخ وحضارة وتقاليد وإرث بلدانهم ، تدلل بصورة واضحة على إنها ليست ببلدان غربية ” . ومن الأمثلة الإنموذجية على البلدان الممزقة هي تركيا ” [100] .
ومن النافع الإشارة هنا إلى إنه ” في نهاية القرن العشرين تابع القادة الأتراك التقليد الأتاتوركي [101] ، وعرفوا تركيا بأنها دولة غربية حديثة ، وإنها دولة علمانية ، وشعبها شعب غربي . كما إن تركيا تحالفت مع الغرب من خلال حلف النتو في حرب الخليج . إضافة إلى إنهم تقدموا بطلب الإنضمام عضوا في المجموعة الغربية (الأوربية) ” . وفي الوقت ذاته فإن ” هناك جزء من المجتمع التركي ساند الخصم المسلم ، وهذا الجزء جادل بأن تركيا هي مجتمع إسلامي شرق أوسطي ” . في حين إن ” النُخب التركية تُعرف تركيا بأنها مجتمعاً غربياً . إلا إن النُخب الغربية ترفض قبول تركيا كما هي ” . وعلى هذا الأساس فإن ” تركيا سوف لن تكون عضواً في الجماعة الأوربية ” والسبب الحقيقي كما قال الرئيس التركي أوزال ” إننا مسلمون ، وهم مسيحيون وإن لم يقولوها ” وإنا ” رفضنا مكة (منا : أي رفضنا الإنتماء إلى الإسلام) ، فإن بروكسل (عاصمة بلجيكا والإتحاد الأوربي) سترفضنا (منا : أن نننتمي إلى الغرب) ، إذن ماذا تتطلع إليه تركيا ؟ ” [102] .
ويشترط هنتنجتون في إعادة تعريف ” الهوية الحضارية للبلدان الممزقة ” أن تتوافر فيها ثلاثة من المؤهلات ، وهي :
أولاً – أن تكون نُخبها السياسية والإقتصادية على العموم متحمسة ، بل وتساعد على أن تسير الحركة بهذا الإتجاه .
ثانياً – أن يكون جمهورها صاحب إرادة على قبول إعادة التعريف .
ثالثاً – أن تمتلك الجماعات المهيمنة والمستلمة للحضارة ، الإرادة على تبني هذا التحول .
ومن الملاحظ إنه في ” البلدان الممزقة ” إن الجزء الأكبر من هذه المؤهلات الثلاثة كانت متوافرة مثلاً على ذلك بلد مثل المكسيك . أما الجزء الأكبر من المؤهلات الأولى والثانية فكانت متوافرة لتركيا . وبالمقابل فليس هناك وضوح كاف في أن هذه المؤهلات متوافرة لروسيا لتكييفها ولنقل تطبيعها لتلتحق بركب الغرب . فمثلاً هناك صراع بين ” الديمقراطية الليبرالية ” و ” الماركسية – اللينينية ” رغم إنهما يشتركان في الإهداف النهائية في ” الحرية والمساواة والإزدهار ” . ولكن (منا : واللعنة على لكن) إن ” روسيا التقليدية ، الإستبدادية (الدكتاتورية) والقومية ، ربما تكون لها أهداف مختلفة تماماً ” [103] .
وبعد هذا العرض نحسب البروفسور هنتنجتون وقع في ” مطب منهجي وأكاديمي كبير ” وذلك عندما غابت من أنظاره ” حالتين غربيتين ” تتناغمان على الأقل (إذا إستثنيا تركيا لأغراض الجدل) مع إيقاع حالتي ” الإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا ” ، وهما ” الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا ” . فأمريكا وفقاً لإحصاءات السكان في هذا العام ” كشفت عن نسبة السكان من إصول أسبانية – لاتيننو تُشكل الأكثرية ، وهم بالطبع ينتمون إلى ” حضارة مختلفة ويتكلمون لغة مختلفة ” . كما وإن واقع ألمانيا ليس بأحسن حالاً من الولايات المتحدة ، فإن الأحصاءات الرسمية ” كشفت بتنامي أعداد الألمان من إصول غير ألمانية بصورة ” تهدد الهوية الحضارية الألمانية التقليدية (والحال يشمل فرنسا كذلك) . وهذا يُشكل تحدياً لمفهوم ” الحضارة الجامعة ” .
ولكل ذلك نحسب إن هنتنجتون كان مُتعجلاً في هذه القضية ولم يُفكر بنتائجها المدمرة على مستوى ” وحدة الدول الأوربية ” و ” وحدة الولايات المتحدة الأمريكية ” . ولو سمح هنتنجتون لنفسه وأخذ وقت من التفكير لتخلى عن هذا العنوان وذلك لأن فيه التوقع الحتمي ” لمصير الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن ثم ألمانيا وكذلك فرنسا …وبالطبع هو ” مستقبل ” معتم إذا ما تخيل هنتنجتون ” الولايات المفككة (أو بإصطلاحه الممزقة) الأمريكية ” و ” ألمانيا المفككة (الممزقه بإصطلاحه) ” و” فرنسا الممزقة ” …
ونظن إن هذا أمر سيرفضه المهيمنون من الجمهوريين ومن ثم الديمقراطيون الأمريكيون على شؤون السياسة في ” بلاد العم سام ” ، وسيلومون البروفسور هنتنجتون على ترويج مثل الأفكار الخطيرة على الأقل على ” وجود الولايات المتحدة الأمريكية ” وعلى وجود حلفاءها من الألمان والفرنسيين ولو دققنا في هذه الأطروحة الهنتنجتونية لشملت معظم الدول الأوربية ولم ينجو أحد بسلام منها إلا بشرط واحد وواحد فقط ، وهو رفض مفهوم ” تصادم الحضارات ” ومفهوم ” صراع الحضارات ” وإحلال محلهما مفهوم ” تعاون الحضارات ” . وفعلاً فإن القارئ لكتاب هنتنجتون الأخير والمعنون ” من نحن ؟ تحديات الهوية القومية الأمريكية ” والذي صدر في عام 2004 ، يقف على ” توقعات هنتنجتون لمصير الولايات المتحدة الأمريكية ” . وفي هذا الكتاب ” يُحذر هنتنجتون من موجات المهاجرين اللاتينو ” والذي ” سيؤدي إلى تقسيم الولايات المتحدة الأمريكية إلى شعبين وحضارتين ولغتين ” [104] .
هذا ما قاله البروفسور هنتنجتون صراحة ، ونحسب إنه أمر صمت عنه الكثير ، ونحن متفهمون لأشاراته ومنها إشارته التي ذكرناها سابقاً ، وهو ” إن الغرب هو المسؤول ” عن الصراع العربي – الإسرائيلي . وعلى أساس هذا الهم الهنتنجتوني يمكن ” أن نتوقع في المسقبل غير المنظور إنقسامات عميقة في المجتمع الإسرائيلي ومن ثم تفككه إلى أوصال حسب مفهوم هنتنجتون ، وذلك لأنه يضم يهوداً جاءوا من حضارات متنوعة ” ومنهم من جاء من روسيا ومنهم من جاء من أوربا الشرقية ، ومن ألمانيا ، ومن البلاد العربية ومن أفريقيا ومن الولايات المتحدة الأمريكية ومن كل بقاع العالم . وهذا التجمع الحضاري سيكون حسب إطروحة هنتنجتون مرشحاً بالتفكك والإنقسام والتشرذم ” . وإن ما قاله هنتنجتون عن الولايات المتحدة الأمريكية وإنقسامها إلى شعبين وحضارتين ولغتين ، فإن إسرائيل مرشحة (والتي يُشكل فيها العرب المسلمون والمسيحيون والدروز أكثر من 22 % من السكان) لهذا الحال قبل الولايات المتحدة إذا سلمنا وقبلنا بإطروحة هنتنجتون التي أودعها كتابه المعنون ” من نحن ؟ تحديات الهوية القومية الأمريكية ” [105] .
ما طبيعة العلاقات الكونفوشيوسية – الإسلامية ؟
نحسب من خلال تجربتنا الأكاديمية التي تمتد أكثر من أربعة عقود من الزمن ، إنه لا يتوافر لدينا أي دليل علمي على ” وجود علاقات تواصل عقيدي بين الكونفوشيوسية والإسلام ” . ورغم هذا الحال سنقبل بصورة أولية فرضية البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” ونذهب معه فيما زعم ما دام هو أكاديمي وحاله حالنا هو البحث عن الحقيقة وليس أقل من الحقيقة حكماً فيصلاً بين الطرفين . وبالمناسبة إن لدينا كتاب أكاديمي رائد في هذا المضمار ، وفيه فصل بعنوان ” القدوة في الحضارة الصينية ” [106] . وهذا الكتاب فاز بإختيار كلية التربية – جامعة الموصل والذي تم إختياره من مجاميع من المشروعات التي تقدمت بها الأقسام العلمية المختلفة يومذاك . وهذا الكتاب كان بعنوان ” القدوة : دراسة تحليلية في مواصفات الشخصية المثالية ” والذي صدر قبل ما يُقارب الربع قرن من الزمن [107] .
ولنعود إلى مقال – كتاب هنتنجتون ونرفع السؤال من جديد ؛ ما طبيعة العلاقات الكونفوشيوسية – الإسلامية ؟ بدأ هنتنجتون هذا المبحث كعادته المثدولوجية بمقدمة عامة ، أشار فيها إلى ” المعوقات ” التي تسدُ الباب أمام ” البلدان غير الغربية ” من الإرتباط والإلتحاق بركب ” الغرب المتنوع ” والذي يضم على الأقل بُلداناً من ” أمريكا اللاتينية ” و ” أوربا الشرقية ” . وفي كلتاهما فإن هذه البلدان تتمتع ” بمكانة كبيرة ” وبالتحديد في ” البلدان الأرثوذكسية في الإتحاد السوفيتي السابق ” . وإن هذه ” البلدان لا تزال لها مكانة كبيرة في المجتمعات الإسلامية والكونفوشيوسية والهندوسية والبوذية ” [108] .
ونحسبُ إن هذه القضية التي أثارها هنتنجتون تحتاج إلى تدقيق أكاديمي ودراسة تفصيلية وذلك لأنه قفز من شاطئ إلى شاطئ ، وإن من الصعوبة بهذا الكلام المكثف العام ” تجسير الهوة ” بين ” شاطئ البلدان الأرثوذكسية ” و ” شواطئ حضارية متنوعة تضم مجتمعات إسلامية ، وكونفوشيوسية وهندوسية وبوذية ” . وإذا قبلنا من الزاوية الميثدولوجية وضع ” البلدان الأرثوذكسية ” في سلة منفردة . فإنه من الصعوبة مثدولوجياً قبول شد ” مجتمعات وعقائد متنوعة وفيها إختلافات تصل إلى كسر العظم العقيدي في سلة واحدة ” .
ومن المعلوم إن اليابان بوذية وبوذيتها هوية حضارية وهي كتلة ثقافية متفردة . وهنا عاد إليها هنتنجتون بمنهج ” غير حضاري ” بل منهج ” سياسي – أقتصادي (وهو منهج حسب رؤية هنتنجتون أصبح عاطل وجزء من ذمة التاريخ) ليقطع جذورها البوذية الضاربة في قواعد حضارتها إلى أوصال ، ويقفز بها لتكون ” شريكاً ” للغرب . فحسب رؤيته إن ” اليابان أسست لها مكانة متفردة ” فكانت ” عضواً مشاركاً مع الغرب ” [109]. والسؤال المشروع أكاديمياً ؛ كيف تخلت اليابان عن هويته البوذية الخاصة والتي تُشكل البعد الحضاري العميق للهوية اليابانية ؟ سؤال لا جواب له إلا بالإشارة إلى إن خطاب هنتنجتون ليس خطاباً وتحليلاً حضارياً ، وإنما هو مجرد خطاب سياسي .
وهكذا شطب بجرة قلم هنتنجتوني جذورها البوذية الشرقية ، ورفع منها ” عضواً مهيأً لمشروع المشاركة الغربية ” . ونظن إن هنتنجتون بفعل التجريد للخصوصية الحضارية التي تتمتع بها اليابان وبالطبع شطب ” الهوية البوذية ” يكون قد شطب بيده عنوان مقاله وكتابه ” تصادم الحضارات ” . وإنه لا شعورياً يتحدث عن عنوان جديد هو ” تعاون الحضارات ” وعلى الأقل بين ” الحضارة اليابانية المتسورة بالعقيدي البوذي ” و” الحضارة الناهضة على مسيحية غربية ” . فهل من الممكن شد هذين الحضارتين المختلفتين برباط واحد ، والتوفيق بين العقيدتين البوذية والمسيحية الغربية في مذبح واحد . إنها ” تلفيق لا منطقي على الإطلاق ” وفيها إشكالية فلسفية ومثدولوجية وعقيدية معقدة لا يقبلها ” الياباني البوذي ” ولا ” الأوربي صاحب العقيدة المسيحية الغربية ” [110] .
ويبدو لنا إن هذا التلفيق اللامنطقي وهذا الإشكال الفلسفي الميثدولوجي والعقيدي المعقد ، لا يقبله ” المسلم ” ولا ” الكونفوشيوسي ” . وهذ ما سنحاول معالجته في هذا الطرف من البحث وبالطبع خلال الحوار مع البروفسور هنتنجتون . ونحسب إنه من المفيد أن نشير إلى إن العلاقة الوحيدة التي نتصورها ، هي ” علاقة سياسية إقتصادية بين الصين (وربما بحدود جيوسياسية بحيث تتسع لبلدان يمكن ضمها تحت مظلة الكونفوشيوسية) والبلدان الإسلامية ” وبالتحديد في مضمار ” توريد السلاح التقليدي وتطوير السلاح غير التقليدي ” وفي إطار التعاون الكونفوشيوسي – الإسلامي محور إتحاد جيوسياسي وحسب . وفي هذا الباب يمكن فهم ما أسماه هنتنجتون ” بالعلاقات الكونفوشيوسية – الإسلامية ” .
وربما هنا مسكنا طرفاً من ” ضميمة بروفسور العلوم السياسية الأمريكي صامويل هنتنجتون ، وهو ليس الحديث عن ” تلفيق عقيدي كونفوشيوسي – إسلامي ” بقدر ما هو إصطلاح سياسي أراد به التصنيف لمجموعة دول أو محور مُخاصم للغرب . وهذا هو ” جوهر وكبد الخطاب الأيديولوجي السياسي الهنتنجتوني) . ولنعود إلى مقال هنتنجتون ” تصادم أو صراع الحضارات ” نقدم منه شواهد وأمثلة على مفهوم ” الترابط الكونفوشيوسي – الإسلامي ” الذي تحدث عنه هنتنجتون وبالصورة الأتية :
أولاً – مهد هنتنجتون للحديث عن الترابط أو العلاقات الكونفوشيوسية – الإسلامية بالكلام عن ” علاقة اليابان بالغرب ” ومنها أقلع لمعالجة الترابط الكونفوشيوسي – الإسلامي . وفي الحديث عن علاقات اليابان بالغرب كشف هنتنجتون عن حقيقة مهمة تخص علاقة اليابان بالغرب وتمتد لتشمل كذلك ” المحور الكونفوشيوسي – الإسلامي ” .
يقول هنتنجتون ” إن اليابان في بعض الإعتبارات هي مع الغرب ، ولكن اليابان بصورة واضحة ليست مع الغرب في مستوايات بالغة الأهمية ” . ولهذا السبب ” الحضاري وتوازن القوى ” فإن هذه البلدان ” لا ترغب ، بل ولا تستطيع أن تدخل في تنافس مع الغرب (وهي تتطلع) إلى تطوير إقتصاديات ، وقدرة سياسية وعسكرية لوجودها ” . وإنهم يسلكون هذا الطريق ” من أجل تعزيز تطورهم الداخلي ، وعن طريق التعاون مع بلدان غير غربية ” ومن النماذج المشهورة في مثل هذا التعاون ، هو ” الترابط الكونفوشيوسي – الإسلامي ” والذي إنبثق حسب رأي هنتنجتون ” لتحدي سلطة وقيم ومصالح الغرب ” [111] .
وهذا الترابط الكونفوشيوسي – الإسلامي حسب فرضية هنتنجتون يضم ” مجموعة الدول الكونفوشيوسية التي تتمحور مع الصين وربما تشمل بحدود ودرجات ما الهند ” (وربما تتطلع في بعض الحلات إلى التحالف مع اليابان البوذية) و ” مجموعة الدول الإسلامية وبالتحديد إيران والعراق والباكستان وليبيا والجزائر … ” . ولعل التحدي الذي يواجه تصنيف هنتنجتون ، هو إن أبوابه الحديدية مغلقة تماماً أمام دول إسلامية حليفة للغرب من مثل ” الكويت وقطر والإمارات العربية ومملكة البحرين والمملكتين العربية السعودية والأردن إضافة إلى المملكة المغربية. إن كل هذه المجموع الإسلامي العربي يقع خارج حدود ” الترابط الكونفوشيوسي الإسلامي ” هذا من طرف .
ونحسب من طرف ثان إن هذا التصنيف ، جاء تصنيفاً سياسياً على الأقل ” من وجهة نظر الخصم المعادي ” وليس تصنيف ” حضاري ” قائم على ” خصائص التقارب الحضاري الذي فيه روح تعبير عن مقاربة حضارية تعكس القواسم المشتركة ما بين ” جوهر ولب الحضارتين الكونفوشيوسية والإسلامية ” . ولهذا نلحظ في هذه المحطة من تفكير البروفسور هنتنجتون تراجع إلى الوراء حيث ” الذمة التاريخية” وبالتحديد إلى أجواء ” الحرب الباردة ” التي ودعها هنتنجتون بقلمه وقبل ذلك بتفكيره عندما كتب مقاله – الكتاب وإختار لهما عنوان ” صراع الحضارات ” في المضمون أو كما جاء على غلاف الكتاب ” تصادم الحضارات ” .
إن خطاب هنتنجتون هذا فتح لنا الباب للحديث عن ” تعاون حضاري ” أوسع مما تحدث عنه هنتنجتون ، وعلاقات أوسع ، هي ” علاقات بوذية – إسلامية ” (وذلك لأن اليابان بوذية وهي حليف متخفي للترابط الكونوفوشيوسي – الإسلامي) إضافة إلى ” علاقات حضارية كونفوشيوسية – إسلامية ” . ونحن نلتزم ” بالطرف الحضاري ” ولا نتخلى عنه مثلما تخلى عنه البروفسور هنتنجتون وعاد إلى ” المحاور الأيديولوجية – السياسية ” التي هجرها عندما خط عنوان مقاله ” تصادم الحضارات ” ومضمونه المهيمن على النص هو ” صراع الحضارات ” . ولهذا نُخالف هنتنجتون ونؤكد على ” التعاون الحضاري ” بين البوذية والإسلام ، وبين الكونفوشيوسية والإسلام وهي أشد وأقوى من ” العلاقات السياسية والإقتصادية والتقنية وأسلحة الدمار الشامل … ” .
ثانياً – ركز الصراع حسب رأي بروفسور العلوم السياسية على العلاقات بين ” الغرب والدول الكونفوشيوسية – الإسلامية بصورة كبيرة رغم إنه لم يكن شمولياً على الأسلحة النووية والكيميائية والبايولوجية والصواريخ البلاستيكية والوسائل غير التقليدية والأكثر ذكاءً ، والخطط للإنتاج المتقدم والعمليات الإستخبارية والقدرات التكنولوجية في إنجاز الهدف ” [112]. ومن المعلوم إن الغرب صاغ ” معايير وفرض معاهدات ” لعدم إنتشار مثل هذه الأسلحة ، وإبتكر ” وسائل التفتيش ” عن هذه الأسلحة بهدف ” تحقيق هذه المعايير وإلتزام الدول بهذه المعاهدات ” . كما إن الغرب هدد بفرض ” عقوبات متنوعة على البلدان التي تُعزز وتنشر مثل هذه الأسلحة ” وبالمقابل لوح ” الغرب بتقديم فوائد للبلدان التي توقفت عن مشاريعها في تطوير ونشر مثل هذه الأسلحة ” .
والواقع إن إهتمام الغرب كان على البلدان والشعوب المعادية أو على الشعوب والبلدان التي ممكن أن تفكر في مضمار ” تحدي الغرب ” . ولاحظ هنتنجتون إن ” الشعوب غير الغربية ” من طرفها أكدت على حقها الطبيعي ” في الحصول ونشر كل أنواع الأسلحة ، التي تعتقد إنها ضرورية لحماية آمنها القومي ” . وفي ظل هذه الأجواء فإن هذه الشعوب كانت ” متفهمة بصورة عالية لإستجابة وزير الدفاع الهندي عندما تساءل : ” ما هو الدرس الذي تعلمه من حرب الخليج ؟ ” فقال بصراحة واقعية ” لا تُقاتل الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تمتلك أسلحة نووية ” [113] .
ثالثاً – يتصور البروفسور هنتنجتون إن الترابط والإتصال العسكري الكونفوشيوسي – الإسلامي أخذ يتنامى ويتطور بحدود فهمنا الذي فيه تعديل للرؤية الهنتنجتونية من ” الإمكان ” إلى ” الفعل ” وحسب تعابير هنتنجتون ” إن هذا الإتصال العسكري الكونفوشيوسي – الإسلامي تحول إلى وجود ” [114] . وهذا النمط من الإتصال العسكري ” تم تصميمه عن طريق إمتلاك أعضائه للإسلحة وتنكنولوجيا الأسلحة التي تحتاجها في مواجهة القوة العسكرية للغرب ” . وهنا عزز البروفسور هنتنجتون رأيه بتعبير عضو الكونكرس الأمريكي الديمقراطي ” ديف ما ككيوري ” [115] والذي قال ” إنها في صورتها الراهنة إتفاق ودعم متبادل بين المتمردين ، والذي يتم فيه تصريف شؤونهم عن طريق طرفين هم ناشري الأسلحة والمراهنين عليهم ” [116] . وهي بالطبع ” شكل جديد من التنافس العسكري الذي يحكم علاقة الدول الكونفوشيوسية – الإسلامية والغرب ، وهو جنس عسكري من الطراز القديم ، وفيه يحاول كل طرف تطوير أسلحته من أجل التوازن أو إنجاز فعل تفوق على الطرف الأخر ” . بينما في الشكل الجديد من التنافس العسكري ، فإن واحداً من الأطراف يطور أسلحته ، في حين إن الطرف الأخر لا يطور أسلحته من اجل التوازن ، بل للحد ومنع الأسلحة وتخفيض القدرات العسكرية ” [117] .
ما هي الآثار المترتبة على الغرب ؟
كشف البروفسور هنتنجتون عن حدود مقالته ، فأشار إلى إنه ” لم تكن من مهمة هذا المقال ، الجدل بأن الهويات الحضارية ستحل محل جميع هويات الأخرين ” . كما وإنه لم يزعم بأن ” الدول الوطنية سوف تتلاشى من الوجود . وإن كل حضارة ستتحول إلى وحدة (منا : كتلة) سياسية متجانسة ومتفردة ” . وإن ” الجماعات في الحضارة الواحدة سوف لا تتصارع ولا تدخل في عراك ولا تتقاتل مع بعضها البعض ” .
وإنما هذا البحث إنطلق من ” فرضيات ” تؤكد على إن ” الإختلاف بين الحضارات حقيقي “ وذات أهمية بالغة “ ، وإن ” الوعي الحضاري آخذ بالتزايد ، وإن الصراع بين الحضارات سوف يُزيحُ من الطريق الأشكال الأيديولوجية للصراع وغيرها ، والذي كان الشكل العالمي للصراع ” والذي كان بدوره مهيمناً على ” العلاقات الدولية التي كانت اللعبة التاريخية وبالتأكيد لعبتها مع الحضارة الغربية . ومن طرفها سوف تتزايد بحيث لايكون صراعاً غربياً ، وإنما سيصبح لعبة للحضارات غير الغربية ” . وبالطبع هذه ليست من الموضوعات البسيطة ، ولكن كما يبدو إن ” المؤسسات الإقتصادية والأمنية والسياسية ، هي المؤسسات الأكثر نجاحاً ونمواً في داخل الحضارات بدلاً من أن تكون عبر الحضارات ” [118] .
وتنبأ البروفسور هنتنجتون بصورة الصراع القادم ، فذهب إلى إنه سيحدث ” بين الجماعات في الحضارات المختلفة ” وسيكون هو السائد وسيستمر لفترات طويلة ، ويكون ” أكثر عنفاً ” في الصراعات الحادثة بين ” الجماعات في حضارة واحدة ” . كما إن ” الصراعات الأكثر عنفاً ” بين ” الجماعات من حضارات مختلفة ” والذي سيُشكل ” مصدراً خطيراً ” وسيقود إلى ” حروب عالمية ” قادمة [119] .
ومن ثم يعود ليؤكد على إن المحور الأساس للسياسات العالمية ، هو ” العلاقات بين الغرب والبقية ” . وبالمقابل إن النُخب في بعض البلدان ” غير الغربية الممزقة ” ستحاول العمل على ” جعل بلدانها جزء من الغرب ” إلا إنها في معظم الحالات ستواجه صعوبات كبيرة لإنجاز هذه المهمة . ويبدو إن الصراع المركزي في المستقبل القريب ، سيندلع بين ” الغرب والدول الكونفوشيوسية – الإسلامية ” [120] .
وهذا لايعني بأية صورة من الصور ، هو الدفاع عن ” الرغبة في الصراع الحضاري ” وإنما هي ” مجموعة إفتراضات وصفية ” من مثل ما هي الصورة التي سيكون عليها المستقبل ؟ وإذا كانت هذه فرضيات معقولة (أو صادقة بحدود ما) ، فمن الضروري ” التأمل في تطبيقاتها على السياسات الغربية ” . وهذه التطبيقات يمكن تقسيمها إلى قسمين ؛ ” المنافع قصيرة الآمد ، وتكييفات طويلة الأمد ” . ومن طرف المنافع القصيرة الآمد ، فهي بالتأكيد تعمل ” لصالح الغرب الذي يتطلع إلى تعزيز تعاون واسع ” ، وتوحيد لأطراف من العالم تحت ” إطار الحضارة الغربية ” وبصورة خاصة بين ” البلدان الأوربية وبلدان أمريكا الشمالية ” . ومن ثم العمل على إندماج ” مجتمعات أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية ” والتي تكون ” حضاراتها قريبة إلى الغرب ” .
وكذلك العمل على المحافظة وتعزيز ” علاقات التعاون مع روسيا واليابان ” . إضافة إلى العمل الجاد على منع تصاعد ” الصراعات الداخلية – المحلية ” والحد منها ووقف ” تحولها إلى حروب حضارية داخلية كبيرة ” . وفي الوقت ذاته الحد من ” توسع القوة العسكرية للدول الكونفوشيوسية – الإسلامية ” . ومقابل ذلك العمل الجاد على ” تحديث القُدرات العسكرية الغربية ، والمحافظة على التفوق العسكري في الشرق وجنوب غرب أسيا ” ، و إستثمار كل الإختلافات وجميع أشكال الصراعات بين ” الدول الكونفوشيوسية – الإسلامية ” .
ومن ثم ينتهي هنتنجتون إلى التأكيد على المرامي الغربية التي لا يستطيع أن يتخلى عنها البروفسور هنتنجتون عالم السياسة الغربي والعامل في ” مختبرات التنظير السياسي الغربية ” . وهكذا وصلت الرحلة الهنتنجتونية إلى شواطئها النهائية التي ليس فيها ” أمل للحضارات اللاغربية ” من التعايش والإستمرار في الحياة مع ” الحضارة الغربية الحديثة ” وحسب رأي هنتنجتون إن الحضارة الغربية ، هي ” الحضارة الوحيدة الحديثة ” وإن الحداثة الحضارية هي غربية . وعلى هذا الأساس إن الحضارات اللاغربية سائرة إلى نهايتها حيث ” الذمة التاريخية ” .
هذا هو قدر الحضارات اللاغربية في رؤية البروفسور هنتنجتون . ولكننا وجدنا إن هناك نوعاً من الأمل لجماعات من الحضارات الأخرى (أي اللاغربية) في مشروع ” تصادم الحضارات ” ، آملُ فيه تجاوز لشواطئ ” الذمة التاريخية ” والموت الحضاري الهنتنجتوني . إلا إن هذا الأمل الهنتنجتوني والأصح الغربي مشروط ، حيث يتحقق بمساعدة غربية ومشروع تعاون غربي ” للجماعات من الحضارات الأخرى والمتعاطفة مع المصالح والقيم الغربية ” هذا من طرف ومن طرف ثان هذا يتحقق من خلال مسار سياسي ناهض على ” تقوية المؤسسات الدولية التي تعكس المشروعية الغربية والمصالح والقيم الغربية ” و تشجيع إنضمام ” الدول اللاغربية في هذه المؤسسات الدولية ” [121] .
كما وإن هنتنجتون يختتم مقاله – الكتاب لا بمسك الختام الحضاري ، وإنما بخطاب أيديولوجي – سياسي ، حيث يعلن فيه صراحة إلى إنه ” لم يعد هناك مكاناً بعد اليوم للحديث عن معايير أخرى ” والسبب برأيه إن الحضارة الغربية قد سدت كل الأبواب على الحضارات الأخرى ، وتحولت إلى ” حضارة غربية حديثة ” . ويحسبُ إن جميع الحضارات اللاغربية حاولت أن تصبح ” حديثة ولكن دون أن تصبح غربية ” . ولعل الحضارة اللاغربية الوحيدة التي نجحت تماماً في مطلبها ، هي ” اليابان ” . وهذا مجرد لعبة سياسية فارغة من أي أساس حضاري ، حيث البوذية اليابانية ضاربة بجذورها في الأعماق وعصية الإدراك على رجل السياسة الغربي .
ويتوقع عالم السياسة والمتخصص في أيديولوجياتها المعاصرة هنتنجتون (وبالطبع ليس الحارث في أخاديد الحضارات وفلسفاتها في التاريخ والحضارة) بأن ” الحضارات اللاغربية ” ستستمر في مثابرتها للحصول على المزيد من ” الثروات والتكنولوجيا والمهارات والعُدد الميكانيكية والأسلحة ” وهذا برأيه هو الطرف الوحيد من ” وجودها الحديث ” . كما إنها ستحاول من طرف آخر على ” التصالح ” مع هذا الشكل من ” الحداثة الحضارية ” و ” حضارتها وقيمها التقليدية ” . ومن المعلوم للجميع بأن القوة العسكرية والإقتصادية لدول الحضارات اللاغربية ستكون ” محدودة نسبياً ” إلى قوة الغرب المتزايدة . وعلى هذا الأساس فإن الغرب سيحاول على الدوام ” تكييف هذه الحضارات اللاغربية ” والتي أخذت بالتقارب من الغرب ، ولكن ” قيمها ومصالحها ” مختلفة بصورة ملفتة للنظر عن ” قيم ومصالح الغرب ” [122] .
ولكل هذا يتكهن هنتنجتون ، ويقترح على الغرب أن يُحافظ على الدوام ” على قوته الإقتصادية والعسكرية الضرورية لحماية مصالحه في علاقاتها مع هذه الحضارات ” . كما وإن هذا الحال يشترط على الغرب ، تطوير ” فهم معمق ” للأسس ” الدينية والفلسفية ” التي تعمل في مضمار هذه الحضارات . إضافة إلى فهم الطرق التي تستخدمها شعوب هذه الحضارات وهي تنظر إلى مصالحهم . وفوق كل ذلك يتطلب معرفة ” العناصر المشتركة ” في لب الحضارة الغربية والحضارات اللاغربية . وقبل أن يتوقف قلم البروفسور هنتنجتون من الكتابة باغتنا بتوقع جديد مفاده ؛ إنه ” في المستقبل القادم سوف لا تكون هناك حضارة كونية ” . ولكن بدلاً من ذلك ستكون ” حضارات عالمية مختلفة ” كل واحدة منها ستتعلم كيف ” تتعايش ” مع الحضارات الأخرى [123] . وبالطبع ليس على أسس حضارية مشتركة بين حضارات العالم ، وإنما على أسس أيديولوجية وسياسية فيها إعتراف بهيمنة الغرب على مُقدرات العالم ، وتفوقه الحضاري على حضارات العالم الأخرى التي فقدت سمة المعاصرة ، التي هي السمة الوحيدة التي تتميز بها حضارة الغرب [124].
ونحسبُ إن هذا النص الهنتنجتوني هو ” نصيحة وإستشارة للحكومات الغربية ” تقدم بها بروفسور العلوم السياسية صامويل هننجتون ، وهي مع الآسف فعل إغتيال لأمكانيات ظهرت هنا وهناك في مثابرته الحضارية ” تصادم الحضارات ” والتي سبق أن أعلن فيها عن شطب التفسير الأيديولوجي والسياسي اللذان ينتميان إلى الحرب الباردة والتي غادرها العالم دون رجعة ومن ثم دخلت الذمة التاريخية . إلا إنه مع الأسف (مرة أخرى) عطل التفسير الحضاري في النهاية ، وشغل التفسير الأيديولوجي السياسي ، وهكذا إنكفأت هذه المثابرة الحضارية على وجهها وعانقت ” المضامين اللا حضارية ” التي ظلت نسغاً أيديولوجياً يعمل في واجهة وهوامش ” تصادم الحضارات ” . ونشعر بالخيبة الأكاديمية على هذا المشروع ” الذكي الممتاز ” وذلك لتعثره الأيديولوجي ومن ثم توقفه عند عتبات ” فلسفة التاريخ ” و ” فلسفة الحضارة ” ولم يتقدم إنملة واحدة إلى الأمام حيث المذبح المقدس الذي يؤدي إلى ” تعايش الحضارات ” و ” تعاون الحضارات ” و ” تفاهم الحضارات ” و ” تقارب الحضارات ” و ” إتصال الحضارات ” …
هنتنجتون وتصادم الحضارات ومواقف النقاد
تعرض البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” وبالتحديد في كتابه ” تصادم الحضارات ” إلى موجة عريضة من النقد الأكاديمي . ونحاول هنا أن نمسها بلطف وتعريف وكشوف . ولعل البداية الإشارة إلى إن مقال البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” والمعنون ” تصادم الحضارات ” أحدث مناقشة واسعة بين الأكاديميين وغير الأكاديميين [125] وبالتحديد منذ صدوره في مجلة ” قضايا أجنبية ” في عام 1993 . ومن ثم تصاعدت حرارة الجدل حوله بين الأكاديميين المتخصصين في ” العلاقات الدولية ” وصدرت عنهم ردود فعل متنوعة ومتباينة . والحقيقة إن أطراف من هذه المناقشات ضمها الكتاب الذي حمل عنوان ” تصادم الحضارات : وإعادة بناء العالم الجديد ” [126] وهو صورة موسعة للمقال السابق .
ولكن من الصحيح جداً القول إن المقال في تصنيفه الأكاديمي العام ، هو ليس بحث في ” فلسفة التاريخ ” أو في ” فلسفة الحضارة ” كما يوحي العنوان الذي يُذكرنا بكتب وإطروحات شهيرة تداولناها قراءةً وتعليماً وبحثاً وكتابةً ، والتي تصعد إلى بدايات العقد الثاني من القرن العشرين وصعوداً وبالتحديد مع كتاب فيلسوف التاريخ والحضارة الألماني ” إسوالد إشبنجلر ” (1880 – 1936) والمعنون ” إفول الغرب ” أو ” تدهور الحضارة الغربية ” [127] والذي يُعد وليداً شقيقاٌ لكتاب فيلسوف التاريخ والحضارة ” هرمان دي كيسرلنج ” (1880 – 1946) والمعنون ” موزائيك أوربا ” وهو الأخر إشتغل على قدر الحضارات [128] .
وكذلك فإن مقال هنتنجتون المعنون ” تصادم الحضارات ” والمضمون ” صراع الحضارات يُذكرنا بموسوعة فيلسوف التاريخ ” أرنولد توينبي ” ” دراسة التاريخ ” وبالتخصيص المجلد الرابع والمعنون ” إنهيار الحضارات ” [129] والمجلدان الخامس والسادس واللذان يحملان عنواناً مشتركاَ وهو ” إنحلال الحضارات ” [130] إضافة إلى كتاب الفيلسوف الوجودي الإنكليزي ” كولن ويلسون ” والمعنون ” سقوط الحضارة ” [131] .
كما إن تاريخ الحضارتين اليونانية والإسلامية يقدم لنا شواهد تُدلل على فكرة ” الإتصال والتواصل الحضاري ” فمثلاً ” إنسياح قوات الإسكندر المقدوني حتى وصلت إلى الهند ” قد حملت معها ” الحضارة اليونانية ووطنتها في العراق نظاماً سياسياً إدارياً (خلال الفترة السلوقية) أولاً في بابل ومن ثم في سلوقيا دجلة وإيران وشمال الهند والتي إمتدت بحدود أقل من ثلاثة قرون وبالتحديد من عام 312 ق.م وحتى عام 63 ق.م [132] . والشاهد الثاني هو إن إنسياح الإسلام إلى أسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا وحتى صقلية إيطاليا ، والذي سجل حضوراً للعرب والمسلمين منذ عام 711م وحتى 1492م ، ومن ثم إستمر حضورهم في أسبانيا رغم إجبارهم على التحول إلى العقيدي المسيحي وحتى عام 1727 حيث تم محاكمة المسلمين ” في محاكم التفتيش ” بعد إكتشافهم يتعبدون ويمارسون الطقوس الإسلامية سراً [133] . غير إن مقال ” هنتنجتون ” لا يُصنف في قائمة هذه الكتب التي يتتوج بها تاريخ فلسفة التاريخ وفلسفة الحضارة في القرن العشرين . وإنما هو مقال في العلوم السياسية ، وفيه ” وصف جيوسياسي لما بعد الحرب الباردة ” هذا من طرف . ومن طرف آخر إن هذا المقال الذي كتبه الأستاذ جاء إستجابة بل ورد فعل ثقافي على كتاب إطروحة التلميذ البروفسور ” فرنسيس فيكوياما ” والمعنونة ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير ” [134] .
ومعلوم إن البروفسور هنتنجتون قام بتوسيع هذا المقال ” تصادم الحضارات ” إلى شكل كتاب ، وصدر عام 1996 وبعنوان فيه إضافة بحدود ما وبالصورة الأتية ” تصادم الحضارات : إعادة تشكيل النظام العالمي ” . والحقيقة إن هذا الكتاب – المقال في أصله بين بشكل مخالف للإطروحات السابقة والمتداولة في الأدب السياسي ، وذهب إلى إن الصراع والعنف الحادثان ، سببهما ” حضاري ” وليس ” الإختلافات الأيديولوجية ” . وبينما كانت الحرب الباردة ، حرب بين ” الغرب الرأسمالي ” و ” الشرق الشيوعي ” فإن اليوم لم يكن الصراع حادثاً ” لأسباب أيدولوجية ” وإنما حادث بين ” حضارات كبرى ” وفي الإمكان حصرها ” في سبع حضارات ” ، وهناك إحتمال أن تكون ” ثمان حضارات ” وهي :
1 – الحضارة الغربية 2 – الحضارة الأمريكية اللاتينية 3 – الحضارة الإسلامية
4 – الحضارة الصينية (وفي نص ” تصادم الحضارات تداول هنتنجتون الكونفوشيوسية) 5 – حضارة الهند (وكما وردت حضارة الهندو)
6 – الحضارة الأرثوذوكسية 7 – الحضارة اليابانية (منا أو البوذية)
8 – الحضارة الأفريقية
وحسب فهم هنتنجتون إن هذه التكوينات أو الأشكال الحضارية تُولدُ تعارضاً بين ” العالم المعاصر ” و ” الشعوب التقليدية ” و ” الدول ذات السيادات ” . ولفهم ” الصراعات في الحاضر والمستقبل ” وما يرافقها من ” تصدعات حضارية ” يجب أن يُفهم ” في ضوء الحضارة ” وليس في ” إطار الدولة ” . وعلى هذا الأساس يتطلب قبول ” الطرف الحضاري ” سبباً لفهم الحروب . وإن الشعوب الغربية سوف لن ” تستمر في الهيمنة ” إذا ما فشلت في تشخيص طبيعة ” التوترات الحضارية ” . وفعلاً فإن هنتنجتون يجادل ويذهب إلى إنه ما بعد الحرب الباردة تم التحول من التركيز على ” البنية والتنظيم الجغرافي ” إلى ” البنية والتنظيم الحضاري ” . وإن هذا الفهم يتطلب من الغرب أن ” يقوي ذاته حضارياً ” [135] .
فعلاً لقد واجه هنتنجتون موجة من النقد الأكاديمي المتنوع ، والذي صدر من مجموعة من الكتاب ، والذين تحدوا مزاعمه تجريبياً وتاريخياً ومنطقياً وأيديولوجياً . وهنا سنشير إلى بعض منها :
تأمل في بعض الأراء النقدية الغربية
ألقت أراء النقاد الغربيين الضوء على النقاط الرخوة والضعيفة في الإطروحة التي حملها عنوان ومضمون مقال البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” . وفي الإمكان حصرها بالشكل الأتي :
المواقف الغربية العامة من مقال ” تصدام الحضارات ”
يحسبُ بعض النقاد الغربيون إن مقال ” تصادم الحضارات : وإعادة بناء النظام العالمي ” هو محاولة نظرية مشروعة تطلعت إلى وضع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى منفردة ، وكانت لها اليد الطولى والضاربة في الخطوط الأولية للعدوانية الغربية وبالتحديد على كل من ” الصين ” و” العالم الإسلامي ” و ” الحضارات الأرثوذوكسية ” . بينما جادل عدد أخر من النقاد ، وذهبوا إلى إن ” مشروع هنتنجتون في ” تصنيف الحضارات ومن ثم الدول التي تنتمي إلى هذه الحضارات ” هو مشروع ” مُبسطُ ” فيه ” روح من السيطرة والإنفراد بالعالم ” . وإنه في الوقت ذاته مشروع يتجاهل ” الديناميكا الداخلية ” و ” التوترات بين الدول ” وبالتحديد في مضمار الحضارات وتنوعاتها .
كما لاحظ نُقاد أخرون من إن هنتنجتون قد تعمد بقصد إلى تجاهل ” الإستقطابات الأيديولوجية ” التي تقوم بها النُخب . إضافة إلى إنه شطب بوعي ” الحاجات الإقتصادية والإجتماعية ” و” الإختلافات السياسية ” التي تُشكل ” الأسباب الحقيقية للصراع ” . وفي الوقت ذاته إستبعد ” الصراعات ” التي لا تتطابق ومقولاته ، وخصوصاً في مضمار ” المناطق الرخوة أو المتصدعة ما بين الحضارات ” . ولفت عدد من النقاد الأنظار إلى مسألة في غاية الأهمية ، وذلك عندما أشاروا إلى إن كل ما قام هنتنجتون ، هو إحلال إصطلاح ” الحضارات ” محل إصطلاح ” الدول ” [136] وفي هذه العملية سهلت له مهمة الإنتقال إلى المضمار ” الحضاري ” وتخلى إلى الأبد من المضمار ” السياسي والإقتصادي ” الذي فيه صدى للبعبع الماركسي المتخفي . ورغم هذا الحال فإن قلم هنتنجتون لم يتمكن على الدوام من التخفي وراء الحضاري ، بل في مناطق كثيرة من مقاله ومن ثم في كتابه عاد وعانق من جديد الأطراف الأطراف الأيديولوجية والسياسية ومن ثم الإقتصادية .
وأخيراً إنتبه النقاد إلى الأثر الذي تركه هنتنجتون على السياسات الأمريكية ووجدوا إن هذا الأثر فيه مُقاربة مع ” النظريات الدينية ” التي قال بها المؤرخ البريطاني وفيلسوف التاريخ ” توينبي ” وخصوصاً حول ” القيادات الصينية في بواكير القرن العشرين ” . كما وإن ست من ثمان من الحضارات المعاصرة التي ذكرها هنتنجتون في تصنيفه قد أخذها من توينبي حرفاً ونصاً ، وبالتحديد من كتاب الأخير المعنون ” دراسة التاريخ ” كما سبق إن ذكرنا ذلك سابقاً .
تصادم الحضارات أو إعادة بناء الذات من خلال التعليم المتبادل
كتب البروفسور ” سيزابارو ساتو ” (1932 – 199) مقالاً بعنوان ” تصادم الحضارات أو إعادة بناء الذات خلال التعليم المتبادل ” . والبروفسور ساتو هو مدير معهد دراسات السياسات الدولية في جامعة طوكيو . من مؤلفاته ” مصادر مستقبل الصراع العالمي : تحديات الأمن لليابان وأوربا ” 1994 . و” الأساطير الثمانية حول الإصلاح السياسي في اليابان ” 1994 ، و” مستقبل العلاقات الأمريكية اليابانية ” 1988 ، و ” بعض خصائص عملية التحديث في اليابان ” 1983 .
ولعل المهم في هذا المقال عنوانه الفرعي والذي جاء بالصورة الأتية ” هل أنجز هنتنجتون نظرية القدر ؟ ” [137]. وتكون البحث برُمته من عدة محاور ، وكل محور منها عالج طرف من أطراف البحث المعنون ” تصادم الحضارات أو إعادة بناء الذات خلال التعليم المتبادل ” . وهذه المحاور جاءت بالشكل الآتي :
1 – صورة نظام العالم في فترة ما بعد الحرب الباردة
2 – نماذج من الإتصالات ما بين الحضارات الكلاسيكية
3 – الحضارة الكلاسيكية والحضارة الصناعية الحديثة
4 – عالم ما بعد الحرب الباردة
5 – المجابهات بين الحضارات المنضوية
ونحسبُ إن البحث الحالي بدأ فيما يشبه التمهيد ، وفيه جاءت الإشارة إلى أهم المحاولات في هذا المضمار ، وهما في الحقيقة محاولتان ؛ الأولى محاولة ” فرنسيس فيكوياما ” والمعنونة ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير ” [138] . والثانية محاولة ” صامويل هنتنجتون ” والمعنونة ” تصادم الحضارات : إعادة بناء النظام العالمي ” [139] . وهما المحاولتان المهمتان من طرف إنهما عرضا موقفين متغايرين في فهم ” الديمقراطية الليبرالية ” أو ” الحضارة الغربية ” بوجه عام .
ومن طرف فيكوياما فإنه إعتقد إن الديمقراطية الليبرالية تفوقت بنجاح على جميع الأيديولوجيات . وبهذا النجاح رسمت نهاية التاريخ ومن ثم خطت المحطة الأخيرة للمواجهة بين الأيديولوجيات . ويلفت البروفسور ساتو الأنظار إلى أن التعبير الأخير من عنوان كتاب فيكوياما ، وهو ” الإنسان الأخير ” هو العنوان ذاته الذي تداوله الفيلسوف الألماني ” فردريك نيتشه ” (1844 – 1900) والذي كان بدوره من أوائل المفكرين الغربيين الذين فقدوا إيمانهم بمستقبل العصر الحديث الغربي [140].
ومن الصحيح القول بأن ” نيتشه ” إمتلك رؤية خاصة لمفهوم الديمقراطية الليبرالية ، والتي بدورها كانت الوليد الشرعي من ” رحم الحضارة الغربية ” . ومن ثم تحول مفهوم الديمقراطية الليبرالية إلى ” مفهوم كوني مقبول ” ، واليوم حسب ما يرى ” فيكوياما ” إن العالم أخذ ” يتحرك بصورة أساسية نحو إعتناق هذا المفهوم للديمقراطية ” [141] .
أما من طرف ” صماويل هنتنجتون ” فإن الصورة مختلفة تماماً حسب رؤية البروفسور ” ساتو ” ، والذي يعتقد إن هنتنجتون جادل وذهب إلى ” إنه ليس من الخطأ وحسب ، بل ومن الغطرسة والخطورة التفكير بأن الحضارة الغربية إمتلكت طبيعتها العالمية ” . كما إن كتابه المعنون ” تصادم الحضارات ” (منا : نشرة 1996 وهو توسيع لمقال 1993) تكون من ” أكثر من 300 صفحة في النص فقط (منا : هناك مناقشات وتعليقات تم ضمها إلى النشرة) ” [142] .
وفي تقويم البروفسور الياباني ” ساتو ” لكتاب هنتنجتون ” تصادام الحضارات ” فقد ذهب إلى أنه ” كتاب يعوزه التناسق والإنسجام ، خصوصاً من طرف تحليلات هنتنجتون ، والتي جعلت من الكتاب من زاوية القارئ ، مملوء بصعوبات جمة بحيث سدت الطريق في متابعة مسار الأفكار ، وكان من الأفضل أن يقوم بتركيز البحث ويتجنب الإطناب وذلك لتحقيق التتابع ” [143] .
ويحسبُ البروفسور ” ساتو ” إن هنتنجتون قسم الحضارات الكبرى المعاصرة إلى ” ستة حضارات محورية ” (منا : في نص مقال هنتنجتون ثمانية وليست ستة ، كما وإن البروفسور ” ساتو ” لم يلتفت إلى مصادر هنتنجتون ، وهو كتاب فيلسوف التاريخ البريطاني ” توينبي ” المعنون ” دراسة التاريخ ” والذي إستمد منه الحضارات الست المعاصرة ومن ثم إضاف إثنين من الحضارات الممكنة وهذا الأمر أشرنا إليها في أطراف سابقة من هذا البحث)، وهذه الحضارات هي ” الحضارة الغربية التي نهضت على الكاثوليكية والبروتستانتية (وتضم أوربا الغربية وأمريكيا الشمالية) والحضارة التي قامت على قواعد الكنيسة الأرثوذوكسية (وتشمل روسيا وأوربا الشرقية) والحضارة الإسلامية ، والحضارة الهندوسية ، والحضارة الصينية والحضارة اليابانية . بينما أمريكا الجنوبية وشبه الصحراء الأفريقية ، فهي موجودة ومرشحة أن تكون حضارات . وهناك إحتمال إن تكون حضارات متميزة بذاتها ” [144] .
ونتوقع إن القارئ الأكاديمي سيتأمل في نصوص كل من البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” والبروفسور ” ساتو ” . وسيدرك بأن هذا التقسيم للحضارات تم على أساس ديني عقيدي في حين فات الأثنين الإشارة إلى إن المفهوم الحضاري أوسع من العقيدي الديني هذا طرف . وإن الحضارات مهما كانت أسسها العقيدية الدينية ، فإنها تمكنت من تكوين أفق علماني شمولي ، ضم الجماعات الدينية التي تنتمي إلى طوائف ملونة في داخل العقيدة الواحدة وهذا ما أشار إليه كل من صاحب المصدر هنتنجتون والمستفيد بروفسور ساتو في التمثيل على تقسيم الحضارات ، مثلاً الكاثوليكية والبروتستانتية . ومن المعلوم إن الخلافات العقيدية بينهما تصل إلى كسر العظم العقيدي ومن ثم تتصاعد إلى درجات التكفير والإتهام بالمروق والخروج من دائرة الإيمان المسيحي وضياع فرصة الخلود في جنة المسيح .
كما إن في هذا التقسيم خروج على قواعد تقسيم الحضارات على أسس دينية عند تصنيف كل من حضارات الهند ، والصين واليابان ، فهناك طرف ديني عقيدي وضعه البروفسور هنتنجتون على هامش الباحث ، وهو إن هذه الحضارات الثلاثة الكبرى يجمعها في أطراف مهمة موحد عقيدي ديني وهي الكونفوشيوسية (رغم إن هنتجتون أشار إلى الصين وإستبعده من اليابان ومن الهند بدرجات أقل وبلدان شرق – أسيوية تكون كتلة ثقافية كونفوشيوسية ذات وزن ثقيل) .
ومن الملاحظ كذلك إن كلا الباحثين ؛ الأصل هنتنجتون والمستفيد في كتابة مقاله البروفسور الياباني ساتو قد أغفلا حضارة قارة كاملة وهي قارة إستراليا من هذا التقسيم الحضاري وهي قضية فيها نظر من التقسيم الحضاري ، كما وتجاهلا الطيف الحضاري في دولة ” جنوب أفريقيا ” التي تصادمت فيها الحضارة الغربية مع الحضارة الأفريقية المنفتحة على الحضارة الهندوسية (يوم حضور مهاتما غاندي وقيادته لحركة التمرد المدني هناك وبعد ذلك حملها معه في عودته للهند ليؤسس حركة عالمية سيجددها في أمريكا القس الدكتور مارتن لوثر كنج سنير ، ومن ثم سيحمل شعلتها في جنوب أفريقيا الراحل نيلسن مندلا وينجزها بنجاح باهر) .
لقد كشف البروفسور الياباني ” ساتو ” الخطورة في إطروحة البروفسورالأمريكي ” هنتنجتون ” ولذلك ذهب ساتو أولاً مُدققاً في تفاصيل إطروحة هنتنجتون ، ومن ثم ثانياً سيبين الأطراف الخطيرة فيها . ومن طرف التدقيق رأى إن خمسة حضارات من بين الحضارات الستة أو الثمانية التي ذكرها هنتنجتون ، ” تمحورت في إطار دول ، وهي الحضارة الغربية والتي تضم دول الإتحاد الأوربي ودول أمريكا الشمالية . والحضارة الأرثوذكسية والتي تضم روسيا (منا : إلفت نظر القارئ هنا إلى إنه تم شطب من التقسيم الهنتنجتوني للحضارات دول أوربا الشرقية وهي بالطبع أرثوذوكسية حتى النخاع) والحضارة الهندوسية (الهند) والحضارة الصينية (الصين) (ولا أعرف لماذا جردها من عقيدتها الدينية التي إعتمدها في تقسيم الحضارات ، وهي الحضارة الكونفوشيوشية عند توينبي المصدر وعند هنتنجتون المستفيد) والحضارة اليابانية (اليابان) (ولانعرف لماذا جردها من النمط العقيدي اليابانية الخاص للعقيدة البوذية وهو الياباني) ” [145] .
بينما يعتقد البروفسور ساتو إن هنتنجتون قد جرد الحضارة الإسلامية المعاصرة من إطار الدولة المركزية . وفعل هنتنجتون أمراً مختلفاً فيما يخص دول أمريكا الجنوبية ودول شبه الصحراء الأفريقية (هذه هي إصطلاحات البروفسور ساتو وبدرجات أقل إصطلاحات هنتنجتون) فهي لم تمتلك لحد الأن الشروط الضرورية لتكوين حضارات كبرى هذا طرف من الخطورة في إطروحات هنتنجتون .
ولكن الطرف الأكثر خطورة حسب البروفسور ” ساتو ” هو إن ” هنتنجتون ” يروج في كتابه ” تصادم الحضارات ” رأياً سياسياً لا علاقة له بإطروحتة الحضارية التي شطبت إلى الأبد الطرفيين الأيديولوجي والإقتصادي ومن المعروف إنهما من تركات فترة الحرب الباردة . إلا إن هذه العودة إلى الإيديولوجيا فيها الكثير من الأسئلة حول درجات الصدق في إطروحة تصادم الحضارات . وبقلم بروفسور العلوم السياسية وليس بروفسور الحضارة ، يقول هنتنجتون برواية البروفسور ” ساتو ” : ” إن الحضارتين الصينية والإسلامية من أخطر التحديات للحضارة الغربية ” [146] .
ومن ثم يستنتج هنتجتون الأطراف الخطيرة القادمة من الحضارتين الصينية والإسلامية حسب رواية البروفسور الياباني ” ساتو ” ، فيرى إن ” إن الحضارة الصينية ستشكل تهديد كبير للغرب ، خصوصاً بعد إن تحولت الصين على عتبات الدولة ذات القوة العسكرية الضاربة (منا : بل والمارد الإقتصادي العالمي في حين تختنق الولايات المتحدة بالديون الصينية الغير قادرة على تسديدها وإنها قادرة فقط على تسديد الفوائد الباهضة عليها ، هنا حقاً يكمن الخطر القادم في المستقبل الذي يأتي بالتأكيد ، وفي أحشائه صورة نظام عالمي جديد ، وهي صورة الكابوس الذي يتعمد علماء السياسة الأمريكيون من أمثال هنتنجتون أن يديروا ظهورهم عنه ويدثرونهُ بخطاب حضاري ملتبس .. لا ينفع بقدر ماهو في أحسن الأحوال تعتيم للحقيقة القادمة وستدق الأبواب وتعلن عن ولادة نظام عالمي جديد …) بينما الدول الغربية تدخل في صراعات حضارية داخلية … [147] .
ويستنتج البروفسور ” ساتو ” وبالطبع بالإعتماد على التحليل السابق ، بأن هنتنجتون ” ليس دقيقاً وحسب ، أو إنه على خطأ في إدراكه لبعض الحقائق التاريخية ، وإنما مشكلته إنه يقدم تحليلاً خطيراً جداً ، خصوصاً إذا ما تم الإعتماد عليه كمشروع سياسي ” وبالتحديد بعد ” إنفراد الولايات المتحدة بمقدرات العالم ” فإن الخطورة تكمن إذا ما حاولت ” الولايات المتحدة الأمريكية أن تبث الروح في أفكار هنتنجتون ، وتقبل صورة العالم كما رسمها وتتبناها ، ومن ثم ستعزز سياسات مؤسسة عليها ” فإن ردود الأفعال من بلدان تنتمي إلى عالم حضاري مختلف عن الحضارة الغربية ، ستقوم بفرض وإختبار معايير مختلفة لمواجهة مثل هذا التوجه الأمريكي ، ومن طرفها ستولد ردود أفعال ، وربما ستحول تحليلات هنتنجتون في إطروحة ” تصادم الحضارات ” إلى حقيقة واقعة . وكما يبدو إن أفكار هنتنجتون ” ستترك أثاراً قوية ” وبرأينا مدمرة وواسعة على عموم العالم [148] .
الموقف النقدي لكل من إيرول هندرسن وريتشارد توكر
شارك كل من البروفسور ” إيرول هندرسن ” (جامعة مشيغان 1993) والبروفسور ” ريتشارد توكر ” ( جامعة زايد – الإمارات العربية) في بحث بعنوان ” الوضوح وحضور الغرباء : تصادم الحضارات والصراع الدولي ” . بينً الباحثان فيه ، بأن هنتنجتن ذهب في إطروحته ” تصادم الحضارات ” إلى إن ” الدول التي تنتمي إلى حضارات مختلفة ، يبدو إنها على الأغلب تتورط في صراعات مع الدول الأخرى ” [149] . ولإختبار دقة مزاعم هنتنجتون من الزاوية التجريبية الإختبارية ، قام الباحثان بالتدقيق ” في العلاقات بين الدول من أعضاء حضارة معينة ومقارنة ذلك مع دول متداخلة حضارياً وهي في حالة حرب ، وبالتحديد منذ عام 1816 وحتى عام 1992 ” . وتوصل الباحثان إلى إن ” الدول الإعضاء في حضارة ما لا تدلل بصورة ذات أهمية عند مقارنتها مع الدول التي تورطت في حروب خلال الحرب الباردة ، وللفترة الممتدة من 1946 وحتى 1988 ، وهي واحدة من ثوابت إطروحة هنتنجتون ” .
وعلى أية حال فإن الباحثين وجدا بأن ” الفترة التي سبقت الحرب الباردة ، والتي تمتد ما بين عامي 1816 و 1945 كشفت بأن ” الدول التي تنتمي إلى حضارات متشابهة ، هي الأكثر دلالة على قتال بعضها الأخر ، بل وأكثر دلالة من دول الحضارات المختلفة ” . وهذا بالطبع يتناقض وإطروحة هنتنجتون .
ولعل الأمر الأكثر أهمية ودلالة ، هو إن تحليلات الباحثين كشفت عن ” إنه خلال فترة ما بعد الحرب الباردة (1989 – 1992) ، وهي الفترة التي شملها بحث هنتنجتون ، تبدو على الأكثر إن فيها دول الحضارات المتشابهة لا تدخل في حروب مع دول منخرطة فيها ، كما إقتنع هنتنجتون بأنها هي الفترة ذاتها التي سيحدث فيها تصادم الحضارات بصورة واضحة . إلا إن نتائج البحث الحالي تحدت مزاعم هنتنجتون ، وقوضت بصورة أكيدة التوصيات السياسية التي تقدم بها ، ودفعت بها إلى خارج مضمار إطروحة ” تصادم الحضارات ” [150] .
الموقف النقدي للمفكر الأمريكي – العربي ” أدورد سعيد “
ولد أدورد وديع سعيد في أحضان عائلة عربية مسيحية في القدس (1935 – 2003) وبالتحديد خلال ما عُرف بفترة الإنتداب الإستعماري للبلاد العربية وبالطبع لفلسطين كذلك . وأدور سعيد مفكر فلسطيني أمريكي ، وساهم في تأسيس ” النظرية النقدية ما بعد الفترة الإستعمارية ” . وأدورد ووالده يحملان الجنسية الأمريكية . وصرف سنوات طفولته وتعليمه الأولى في القدس والقاهرة حيث إلتحق بالمدارس البريطانية . ومن ثم رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وحصل على بكلوريوس في الأداب من جامعة برنستن . ومن ثم الماجستير والدكتوراه في الأدب الإنكليزي من جامعة هارفارد
ومن ثم بدأ مشواره الأكاديمي في جامعة كولومبيا عام 1963 وحتى وصل إلى درجة بروفسور في اللغة الإنكليزية والأدب المقارن عام 1991 . وإشتهر بكتابه ذائع الصيت والمعنون ” الإستشراق ” والذي صدر عام 1978 وفي هذا الكتاب عارض سعيد شيخ المستشرقين برنارد لويس ، ومن ثم إستمرت المعارضة وعدم الإتفاق حتى وفاة سعيد عام 2003 . ومن مؤلفات سعيد الأولى ، كتابه المعنون ” جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية ” والذي صدر عام 1966 . وهو إمتداد لإطروحته للدكتوراه . ومن مؤلفاته الشهيرة والتي لها علاقة بدرجات كبيرة بكتابه الإستشراق ، كتابه المعنون ” تغطية الإسلام : وكيف وسائل الإعلام والخبراء يطلبون منا أن ننظر إلى العالم ” والذي صدر عام 1997 . وله كتب أربعة في الموسيقى ومن المعروف إن سعيد عازف ممتاز على البيانو … [151] .
كتب الدكتور ” سعيد ” مقالاً مُعارضاً لمقال البروفسور ” صماويل هنتنجتون ” والمعنون ” تصادم الحضارات ” . ولعل عنوان مقال ” سعيد ” شهادة كافية على تلك المعارضة ، فقد جاءت تحت راية ” تصادم الجهل ” أو ” تصادم الأمية ” وتبعه عنوان فرعي في غاية الأهمية من الزاويتين الفكرية والميثدولوجية ، يُفيد إلى ” إن عناوين وتسميات مثل ” الغرب ” و” الإسلام ” هي تعمل لإرباكنا حول حقيقة الفوضى أو عدم النظام فقط [152]، ومن المعلوم إن مقال المفكر ” أدورد سعيد ” قد نُشر في 22 إكتوبر عام 2001 . والذي ركز فيه على المفهوم الغامض ، المتداول في مقال ” هنتنجتون ” ، وهو مفهوم ” الهوية الحضارية ” .
لقد ذهب هنتنجتون كما بينا في هذا المقال ، إلى إن ” التفاعل وردود الأفعال ” في العالم المعاصر ، حادث بين ” سبعة أو ثمان من الحضارات الكبرى ” ، ونضيف إلى كلام ” سعيد ” ليستقيم ميثدولوجياً ، إلى إن هنتنجتون إعتمد على ” أرنولد تويبي ” مصدراً معرفياً ، إستقى منه هذا التقسيم للحضارات المعاصرة (صحيح إن توينبي قال بست حضارات معاصرة وقد تبناها هنتنجتون ومن ثم أضاف السابعة وإلحق بها بتردد الثامنة ، وهي الحضارة الأفريقية [153]) ، وبالتحديد إعتمد سعيدعلى رائعة ” تويبي ” الإنجلية ” دراسة التاريخ ” وهذا جانب ناقشناه في طرف من هذا البحث وزودناه بهامش عرضنا فيه بصورة مختصرة المجلدات الثانية عشر من هذه الرائعة التوينبية .
إلا إن هنتنجتون برأي ” أدورد سعيد ” قد منح ” حصة الأسد ” للصراع بين ” الإسلام والغرب ” هذا من طرف . ومن طرف أخر وهو الأساس في رأينا من الزاوية الميثدولوجية ، هو إن ” سعيد ” كشف للقارئ ، بأن هنتنجتون إعتمد بصورة رئيسية على مقال شيخ المستشرقين ” برنارد لويس ” والمعنون ” جذور الغضب الإسلامي العارم ” والذي صدر عام 1990 والذي تم الإشارة إليه في ثنايا البحث الحالي . وحسب رأي ” سعيد ” الناقد للطرفين ، وهما كل من ” هنتنجتون ” و ” برنارد لويس ” سوية ، قد بين إلى إن ” مقال لويس قد تلون بأراء أيديولوجية ” ، وهذا واضح في عنوان المقال ” جذور الغضب الإسلامي العارم ” .
ويرى ” سعيد ” إن كلا المقالين (أي مقال برنارد لويس وصماويل هنتنجتون) مملوءان بأراء شخصية كثيرة ” حول ” الغرب ” و ” الإسلام ” وخصوصاً فيما يتعلق بطرفي المصطلحين الهنتنجتونيين على الأقل ” الهوية ” و ” الحضارة ” .
وبحصافة ” أدور سعيد ” أشار في نقده لكل من ” برنارد لويس ” المصدر ، وللبروفسور هنتنجتون المستفيد من المصدر في كتابة مقاله ” تصادم الحضارات ” ، فقال بالتأكيد لا لهنتنجتون ولا لبرنارد لويس ، وحسب إنه لو كان يتوافر لهما الوقت الكافي لوقفا عند عتبات الدايناميك الداخلي والتعددية المتنوعة في كل حضارة ، وإنه من أجل الحقيقة القول إن التنافس الكبير كان في أغلب الحضارات الحديثة ، هو ” تعريف ” أو ” تأويل ” كل حضارة . ولعل من المحاولات غير المقبولة ، هي المعالجة الديموغاجية و الجهل والأمية وذلك عند التورط في الحديث بفرضيات عن الأديان ككل والحضارات ككل . كلا ! إن الغرب هو الغرب ، والإسلام هو الإسلام ” [154] .
ولعل في النتيجة الميثدولوجية النهائية من مقال “سعيد ” خير الكلام في خاتمة الحديث عن ” تصادم الحضارات ” و ” تصادم الأمية أو الجهل ” ، وخصوصاً بعد إن أشار إلى ” حقيقة التواصل بين الأديان السماوية الثلاثة ؛ اليهودية والمسيحية والإسلام ، وإن الإسلام هو خاتمة هذا الخط الديني ” [155] وشبهها بمياه من محيط التاريخ الواسع .
لقد صور المفكر ” آدورد سعيد ” للقارئ ” نقاط الخلاف ” بين رؤية ” هنتنجتون ” ورؤية صاحب ” تصادم الجهل ” بوصف روائي رائع فقال ” كلنا إختبر السباحة في تلك المياه ، الغربيون والمسلمون وكذلك الآخرون ، ومادامت المياه هي جزء من محيط التاريخ ، فإن محاولة الجرف والتقسيم بحواجز هي محاولة عقيمة . ولعل من الأفضل التفكير بحدود الجماعات الأكثر قوة ، وبحدود الجماعات التي لا حول لها ولا قوة ، ومن ثم التفكير خلال سياسات علمانية وسياسات الجهل والأمية ، والتأمل من خلال المبادئ الكونية للعدالة والمبادئ الكونية للظلم . ولهذا فإن البحث في المجردات الضخمة ربما يوفر قناعة موقتة . ولكن قليل من المعرفة بالذات والتحليل في إطروحة ” تصادم الحضارات ” تحملك على القول إنها ” حيلة ذكية ” من مثل ” حروب العالم ” . وإنه من الأفضل تعزيز كبرياء وفخر دفاعي بدلاً من تقديم فهم نقدي لعصرنا في مصفوفة كلام مُحير ” [156] .
فؤاد عجمي والموقف المتردد من كتاب ” تصادم الحضارات “
لقد أنهى الفتى ” فؤاد عجمي ” دراساته الثانوية في لبنان ” في عمر الثامنة عشرة ، ومن ثم شد الرحال في السنة التالية (التاسعة عشرة) نحو الولايات المتحدة ، ووصلها بالتحديد في ” خريف عام 1963 ” وسجل في بعض ” الفصول الدراسية ” في ” كلية أورغن الشرقية ” والتي أصبحت فيما بعد ” جامعة أورغن الشرقية ” . ومن ثم أكمل متطلبات التخرج في ” جامعة واشنطن ” والتي كتب فيها مشروع إطروحته للدكتوراه في ” العلاقات الدولية ” و ” الحكومة العالمية ” وحصل على ” درجة الدكتوراه ” [157] .
لقد كتب البروفسور ” فؤاد عجمي ” العديد من المؤلفات ذات النهج الأكاديمي ، ولكن بعضها تم بإختيار ” لاشعوري ” ومحرك لا يخلو من إنحياز عرقي ” فارسي ” ورائحة ” طائفية – شيعية ” لم تتمكن سنوات الكد الأكاديمي في الجامعات الأمريكية من تعطيل فعله المؤثر تحت الجلد الإنساني والتي تظهر بوعي ودون وعي في نصوص وعناوين مؤلفات ومشاريع كتب ومقالات . وهذا ما وجدناه في المشاريع التي إشتغل عليها المرحوم البروفسور ” فؤاد عجمي ” . وهنا نقدم شواهداً وأمثلة دالة .
كتب فؤاد عجمي في شتاء عام 1980 / 1981مقالة بعنوان ” مصير عدم الإنحياز ” ونشرته مجلة ” الشؤون الأجنبية ” . وفيها لخص الطريق الذي سلكه ” العالم الثالث ” وكيف إنه تخلى من سياسات ” عدم الإنحياز ” وهجرها ، وبالتحديد في النص السياسي لفترة ” ما بعد الحرب الباردة ” [158] . وقد لقى هذا الكتاب رضاء الدوائر الأكاديمي الموجهة بستراتيجيات ” الكاوبوي ” . وفعلاً فقد جاء العطاء الأكاديمي كريماً ، وتمثل في تعيين ” الدكتور فؤاد عجمي مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز … ” [159] .
نشر الدكتور عجمي ، بعد سنة واحدة من وصوله إلى ” معهد الدراسات العالمية العالي ” في جامعة جونز هوبكنز ، كتابه الأول والذي كان بعنوان ” المآزق العربي : الفكر السياسي العربي وتطبيقاته منذ عام 1967 ” . وفيه تحليل ووصف للأزمة الفكرية والسياسية التي إجتاحت العالم العربي بعيد هزيمتها على يد القوات الإسرائيلة في ” حرب الأيام الستة ” عام 1967 [160] .
وبعد فترة إنشغال إمتدت ما يُقارب الخمسة سنوات ، نشر كتاباً بعنوان ” الإمام المُغيب : موسى الصدر وشيعة لبنان ” والذي صدر في العام 1986[161] . وهو من الموضوعات التي حيرت الجميع ، وظلت أسرارها مقيدة ضد مجهول ثنائي ” القوى السياسية الشيعية في لبنان والقذافي وحكومته في ليبيا ” .
وكان بيروت : مدينة الندم ، كتاب بالإشتراك مع المصور إيليا ريد ، وصدر هذا الكتاب بعد سنتين من صدور كتاب ” الإمام المُغيب … ” . والكتاب من القطع الصغير ، وتألف من 128 صورة ملونة ، ونص كتبه البروفسور فؤاد عجمي وتكون من 47 صفحة [162] . ومن كتب فؤاد عجمي ، كتابه المعنون ” قصر العرب الوردي (الحالم) : جيل أوديسا ” ، وصدر عام 1998 [163] . ومن كتبه الأخيرة ، كتابه المعنون ” هبة الإجانب ، الأمريكان والعرب والعراقيين والعراق ” ، والذي صدر في عام 2006 . وهو يدور حول إحتلال أمريكا للعراق [164] .
أشرنا في مقالين سابقين ؛ الأول كان بعنوان ” في رحيل الأكاديمي الأمريكي اللبناني فؤاد عجمي ” [165] . والثاني حمل عنوان ” الطرف السياسي من عمل الأكاديمي اللبناني فؤاد عجمي ” [166] . نقول أشرنا إلى إن البروفسور عجمي رفض في الطور الأول من حياته الأكاديمية أراء البروفسور ” صماويل هنتنجتون ” في مقاله ” تصادم الحضارات ” . ولكن عندما دارت حركة الكواكب والأفلاك وعمل البروفسور عجمي في واجهات الحزب الجمهوري الأمريكي ومن ثم أصبح مُقرباً من وزيرة الخارجية الأمريكية ” كوندليزا رايس ” ومن ثم أيد وشجع على إحتلال العراق ، فعاد وقبل كل ” إطروحات هنتنجتون دون تحفظ ” .
ولعل الشاهد على ذلك مقال البروفسور ” فؤاد عجمي ” الصادر في 6 كانون الثاني 2008 والمنشور في جريدة ” نيويورك تايمز ” وبعنوان ” التصادم ” والذي قال فيه بالنص ” إن إطروحة هنتنجتون حول التصادم الحضاري تبدو لها سلطتها علي اليوم ، وليس كما بدت لي من قبل ” . والعبارة الأخيرة من كلام الدكتور عجمي ” وليس كما بدت لي من قبل ” هي إشارة إلى مواقفه النقدية للبروفسور هنتنجتون وكتابه ” تصادام الحضارات ” التي وردت في مقاله المبكر والذي نشره عجمي في مجلة ” شؤون أجنبية ” وبالتحديد في العدد المؤرخ في سبتمبر – إكتوبر 1993 . وفيه يجد القارئ بصورة مكشوفة إن هناك شخصيتين مختلفتين للبروفسور عجمي ؛ الأولى صورة البروفسور عجمي الناقد والرافض لمقال هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” وفيها ” كسر عظم نقدي ” ومن ثم أدلى بأفكار مخالفة لهنتنجتون ” في دور الحضارات في العلاقات والصراعات الدولية ” . في حين إن عجمي يؤكد على إستمرار ” الدول والعلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة ” [167] .
ومن ثم أكد البروفسور عجمي في هذا المقال على نقده للبروفسور هنتنجتون وذلك لتجاهله ” للصعوبات التجريبية ومصالح الدول التي هي وراء الصراعات بين الحضارات ” . وعجمي يومذاك كان متيقناً على خلاف هنتنجتون بأن ” الدول ستبقى عاملاً مهيمناً على العالم وتفاعلاته ” . ويجادل الدكتور عجمي فيؤكد على إن ” الروابط الحضارية سوف تستفيد وتتقوى فقط من خلال الدول والجماعات ” وبالتحديد عندما يكون من ” مصلحة هذه الدول والجماعات أن تُشغل العلاقات الحضارية ” . وإستشهد البروفسور عجمي بمثال من الطبقة الوسطى الهندية ، فبين بأن ” الحضارات سوف لن تتمكن من السيطرة على الدول ، وإنما العكس هو الصحيح إن الدول ستسيطر على الحضارات ” [168].
أما في مقال عجمي المعنون ” التصادم ” فنحسب إنه عودة عجمية جديدة لمقال البروفسور ” صامويل هنتنجتون ” المعنون ” تصادم الحضارات ” وتقويم جديد لجهوده ومشروعه السياسي حول تصادم الحضارات . فقد لاحظنا في ما يمكن أن نسميه مقدمة المقال رؤية إيجابية فيها إنقلاب على ما أدلى به عجمي من أراء نقدية سابقة ، خصوصاً في مقال 1993 . يقول البروفسور عجمي بالنص ” إن صامويل هنتنجتون ، هو رجل جاد وصارم ، وصاحب صنعة عالية ، إضافة إلى كونه عالم سياسي أصيل ، وطبع بأثاره فترة شغلت النصف الإخير من القرن . وكان على الدوام يسبح ضد تيار الأراء المتداولة والشائعة ” [169] .
وفي أدلة التعديل للموقف النقدي الذي أدلى به البروفسور عجمي في عام 1993 ، وفيه تخلي في الوقت ذاته عن طرفين من معادل تكوين هويته ؛ الأول تخليه عن إيرانيته الإسلامية من طرف والديه وأجداده ، ومن ثم تخليه عن لبنانيته العربية بالولادة والتربية في مضارب الجنوب اللبناني حيث قرية عرنون التي شهدت مسقط رأسه . يقول عجمي في تعديله للموقف النقدي لهنتنجتون ، فيقول : ” قبل ما يُقارب الخمسة عشر عاماً (كان عجمي يتكلم عام 2008) ، فإن إطروحة هنتنجتون ” تصادم الحضارات ” لها سلطة وسطوة ، أكثر مما كنت أراه يوم كتبت النقد في ذلك الوقت ” ومن ثم قدم تفاصيل حول مصداقية نظرية هنتنجتون ، فأشار إلى أمثلة تتساوق وأراء هنتنجتون وتوقعاته ، فمثلاً قال ” إن البناء الضخم للكمالية (نسبة إلى النظام السياسي العلماني الذي شيده مصطفى كمال أتاتورك في تركيا) تعرض إلى إعتداءات مُهينة ، وذلك عندما تم في تركيا إنتخاب رئيس إسلامي لتركيا ، وبالطبع فيه تحدي مكشوف للنخب البيروقراطية والعسكرية ” [170] . وهذا حمل دليل على هيمنة الإسلاميين والذي يتعارض مع توجهات الأتاتوركية ومن ثم جيل من السياسيين الأتراك الذين يتطلعون في إنضمام تركيا العلمانية إلى الإتحاد الأوربي . وهذا برأي عجمي يأتي دليلاً أخر على قوة أراء هنتنجتون لقضية علاقة ” الغرب والبقية ” والتي رددتها مقولة هنتنجتون ” نشيداً حضارياَ يحكم علاقة ” الغرب والبقية ” وخصوصاً ” الغرب والإسلام ، فقال ” سبق إن رفضت تركيا مكة (إشارة إلى الإسلام) ، بينما رفضت بروكسل (إشارة إلى الغرب) إنضمام تركيا إليها ” [171] .
ومُسك الختام إشارة إلى إن البروفسور عجمي ، كان أمريكياً جمهورياً حتى النخاع الأخير ، ولم تبقى في خلايا تفكيره ” دماء إيرانية إسلامية ” تجري ، ولا ” دماء لبنانية عربية ” رعتها مناخات ” قرية عرنون ” . ولكل ذلك رأى عجمي إن ” مخاوف هنتنجتون ” ؛ ” هو إن الإسلام سيبقى إسلاماً كما هو ” . بينما ” شكوك هنتنجتون ” تتركز حول ” هل إن الغرب سيبقى حقيقة كما هو ، وإنه سيبقى ملتزماً بمهمته كما هي ” [172] .
طارق علي و ” تصادم المتطرفين : الصليبيون والجهاديون والحداثة “
ومن المفيد الإشارة إلى مثابرة مهمة لاحقة ، حملت عنواناً فيه الجزء الأول من عنوان مقال – كتاب ” صامويل هنتنجتون ” ” تصادم الحضارات ” وهو كتاب البريطاني من إصول باكستانية طارق علي (1943 وبعمر 71 عاماً) والمعنون ” تصادم المتطرفين : الصليبيون والجهاديون والحداثة ” [173] ومن مؤلفات الإعلامي طارق علي ، كتاب ” الباكستان : قواعد العسكر أو سلطة الشعب ” والصادر عام 1970 ، وكتاب ” بوش في بابل ” والذي رأى النور عام 2003 وكتاب ” مناقشات مع أدور سعيد ” والذي ظهر عام 2005 ومن ثم كتابه المعنون ” الأعراض المرضية للرئيس الأمريكي أوباما ” والذي صدر عام 2010 [174].
وهذا الكتاب ينهض على مجموعة فرضيات صاغها ” طارق علي ” ، وهي في غاية الأهمية وإن كانت تًصاحبها موجة من الإثارة في الوقت ذاته . حقيقة إن أهمية هذا الكتاب تأتي من إنه محاولة تنهض على الجدل الذي يذهب إلى إن ” ما إختبرناه من العودة إلى التاريخ في أشكاله البطولية ” هو إن هناك ” رموز دينية ملأت مساحات جزئية ” منه ، والذي تمظهرعلى مستوى طرفين ؛ الأول طرف إنتقام الله . والثاني طرف الله معنا والله يحفظ أمريكا . ومن ثم مسكنا بطرف ثالث متخفي في كتابات ” طارق علي ” وهو إن العنف المرئي الملموس في سبتمبر 11 ، هو إستجابة إلى العنف اللامرئي واللا ملموس الذي عانت منه الشعوب في أفغانستان وباكستان والعراق والعربية السعودية ومصر وفلسطين والشيشان .
ويحسبُ ” طارق علي” على إن ما حدث لهذه البلدان بصورة مباشرة ، هو من مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا . وإن هذا الكتاب يُقدم تفسيراً واسعاً لصعود موجات المتطرفين المسلمين والأشكال الجديدة للنزعة الإستعمارية [175] .
تعقيب ختامي :
أولاً – هل هو ” تصادم حضارات ؟ ” أم هو ” صراع حضارات ؟ ” . الحقيقة إن القارئ الأكاديمي للمقال الذي كتبه هنتنجتون في عام 1993 أو في توسعته اللاحقة والذي نشره في كتاب عام 1996 ، يلحظ إن عنوان المقال وكذلك عنوان الكتاب جاء تحت شعار سحري دراماتيكي هو ” تصادم الحضارات ” . وهذا في الحقيقة الأمر الأول . إلا إن قارئ الكتاب من زاوية المضمون يجد بأن هنتنجون قد تداول كلمة ” الصراع أو الكونفلكت بالإنكليزية ” في شرح قضية تصادم الحضارات أو ” كلاش أوف زفلايزشين ” بالإنكليزية ” وهذا الأمر الثاني . وعلى هذا الأساس نحسب إن كتاب هنتنجتون على مستوى عنوان المقال والكتاب هو ” تصادم الحضارات ” . أما على مستوى مضمون المقال والكتاب ، فهو ” صراع الحضارات ” .
ثانياً – ظهر لنا بصورة واضحة إن هنتنجتون لم يكن الرائد والكاتب الأول الذي نحت وتداول أكاديمياً إصطلاح ” تصادم الحضارات ” بل تقدم عليه عدد من الأكاديمين والكتاب الرواد من طرف نحت إصطلاح ” تصادم / كلاش ” وكذلك إصطلاح ” صراع / كونفلكت ” وتداولوه في كتاباتهم وبالتحديد قبل هنتنجتون بسنوات قريبة من عمله الأكاديمي ، وسنوات أخرى بعيدة حتى قبيل ولادته . فمثلاً إننا بينا في هذا المقال إن عبارة ” تصادم الحضارات ” قد وردت قبل مقال هنتنجتون (1993) بثلاث سنوات ، وبالتحديد في مقال المؤرخ وشيخ المستشرقين الأمريكي – البريطاني ” برنارد لويس ” والمعنون ” جذور الغضب الإسلامي العارم ” والذي ظهر في مجلة ” إتلانتك ” الشهرية في عام 1990 .
ولاحظ الباحثون الأكاديميون الغربيون بأن ” برنارد لويس ” هو الأخر تلقفها من العنوان الفرعي لكتاب ” باسيل ماثيوس ” والمعنون ” الإسلام الفتي في رحلته الهادئة : دراسة في تصادم الحضارات ” والذي ظهر في عام 1926 ، وبالتحديد قبل ظهور مقال ” برنارد لويس ” بما يُقارب ستة عقود ونصف من السنين . بينما لاحظ المستشرق الفرنسي ” لويس ماسينيون ” (1883 – 1962) إن تعبير ” تصادم الحضارات ” وكذلك ” صراع الحضارات ” يصعدان إلى فترة زمنية تتخطى تاريخ صدور كتاب ” باسيل ماثيوس ” بل ويعانقا الفترة الإستعمارية ، وهي الفترة التي يُطلق عليها الفرنسيون ” بالفترة الجميلة ” والتي بدأت عام 1871 .
ثالثاً – سعينا في همنا الأكاديمي النازع إلى معرفة الجذور التاريخية والفكرية لإصطلاح ” تصادم الحضارات ” الذي إنتخبه وتداوله البروفسور صماويل هنتنجتون عنواناً أولاً لمقاله الذي صدر عام 1993 ومن ثم ثانياً عنواناً رئيساً مع إضافة عنوان فرعي لكتابه الذي ظهر عام 1996 ، نقول إن الفكرة الأصلية والمصدر الحقيقي للمقال ومن ثم للكتاب ، هي محاضرة قدمها هنتنجتون في عام 1992 وبالتحديد في ” معهد الأنتربرايز الأمريكي ” . والمحاضرة (ومن ثم المقال) جاء إستجابة هنتنجتونية أكاديمية لكتاب تلميذه السابق ، البروفسور ” بوشاهيرو فرنسيس فوكياما ” والمعنون ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير ” . وعلى أساس هذه المصادر الثلاثة (اي النقاط الثلاث من تعقيبنا) يمكن فهم وتقويم إصطلاح ” تصادم الحضارات ” والمستبطن صراحة لإصطلاح ” صراع الحضارات ” في كل من متن المقال والكتاب عند البروفسور صامويل هنتنجتون . ِ
——————————————————————————
الهوامش والإحالات
– أنظر : صامويل هنتجتون ؛ صدام الحضارات (بالإنكليزية) ، مجلة قضايا أجنبية (بالإنكليزية) / المجلد 72 ، العدد 3 صيف عام 1993 ، ص [1]
ص 22 – 49
– أنظر : أ – الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ الطرف السياسي من عمل الأكاديمي الأمريكي اللبناني فؤاد عجمي / موقع الفيلسوف 2 يونيو 2014 [2]
ب – الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ في رحيل الأكاديمي الأمريكي – اللبناني فؤاد عجمي / موقع الفيلسوف 27 يونيو 2014
– أنظر مشروع المقال القادم للدكتور محمد جلوب الفرحان ” برنارد لويس وظلال النزعة الإستشراقية ” [3]
– للتفاصيل أنظر : أدور سعيد ؛ تصادم الجهل (بالإنكليزية) ، مجلة الأمة الأمريكية / 22 إكتوبر 2001 [4]
– أنظر هنتنجتون ؛ المصدر السابق [5]
– وهو أخر رؤساء الإتحاد السوفيتي السابق وفي وقتها كان السكرتير العام للحزب الشيوعي للإتحاد السوفيتي .. للتفاصيل أنظر ” إنكوس [6]
روكسبيرك ” الثورة الروسية الثانية : الكفاح من أجل السلطة في الكرميلن (بالإنكليزية) ، لندن 1991
– وفي الأصل كان مديراً للمخابرات المركزية الأمريكية ، ومن ثم أصبح رئيس الولايات المنحدة الأمريكية الواحد والأربعين .. للتفاصيل أنظر :[7]
جورج بوش : الأشياء الجميلة ، جورج بوش : حياتي في رسائل وكتابات أخرى (بالإنكليزية) ، دار نشر سكرنبر – نيويورك 1991
– للتفاصيل أنظر : رالف بيترس ؛ القتال من أجل المستقبل : هل ستنتصر أمريكا (بالإنكليزية) ، دار نشر كتب ستاكبوت ، بنسلفانيا 1999 [8]
– أنظر : دان هارت ؛ صامويل هنتنجتون : عالم السياسية في هارفاد (وفاة) (بالإنكليزية) ، أخبار بلومبرك ، 27 ديسمبر 2008 .[9]
– أنظر مقال جريدة التايمز اللندنية ، وبعنوان ” البروفسور صامويل هنتنجتون : مؤلف تصادم الحضارات ، 29 ديسمبر 2008 .[10]
– مايكل ديسش ؛ الجنود والدول والبُنى : نهاية الحرب الباردة وضعف السيطرة المدنية الأمريكية ، نشرة جمعية القوى العسكرية ، العدد الثالث [11]
1998 ، ص ص 389 – 405
– أنظر : صماويل هنتنجتون : تصادم الحضارات ، دورية ” قضايا أجنبية ” (بالإنكليزية) ، صيف 1993 ، ص ص 22 – 49 [12]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 22 – 23 [13]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 23 – 25 [14]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 25 – 29 [15]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 29 – 35 [16]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 35 – 39 [17]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 39 – 41 [18]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 42 – 45 [19]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 45 – 48 إشارة إلى العقيدة الكونفوشيوسية ، للتفاصيل أنظر ؛ الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ القدوة : دراسة [20]
تحليلية تاريخية في مواصفات الشخصية المثالية ، نشرة وزارة التعليم العالي – جامعة الموصل 1990 ، الفصل الرابع والمعنون ” القدوة في الحضارة الصينية ” ، وخصوصاً الصفحات 50 – 54 . وهذا الكتاب فاز به المؤلف بترشيح مجلس كلية التربية – جامعة الموصل وتم إنتخابه من بين عدد من الترشيحات من أغلب أقسام كلية التربية ، وطبع على حساب وزارة التعليم العالي ، وحصل المؤلف على منحة مالية مجزية وكتاب شكر من عميد كلية التربية الدكتور خضر جاسم الدوري طيب الله ثراه .
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 48 – 49 [21]
– أنظر صماويل هنتنجتون ، تصادم الحضارات وإعادة بناء النظام الجديد (بالإنكليزية) ، نشرة دار سايمون وشستر ، نيويورك 1996 [22]
– أنظر : بوشاهيرو فرنسيس فوكيما ؛ نهاية التاريخ والإنسان الأخير (بالإنكليزية) ، نشرة المطبعة الحرة 1992 [23]
– أنظر : برنارد لويس ؛ جذور الغضب الإسلامي العارم (بالإنكليزية) ، مجلة إيتلانتيك الشهرية ، مجلد رقم 266 ، سبتمبر 1990 [24]
– أنظر : باسيل ماثيوس ؛ الإسلام الفتي في رحلته الهادئة : دراسة في تصادم الحضارات (بالإنكليزية) ، دار نشر كيسنجر 2007 ، ص 196 [25]
والكتاب يتألف من 248 صفحة .
– أنظر : لويس ماسينيون ؛ علم النفس الإسلامي (بالفرنسية) ، باريس 1931[26]
– والعصر الذهبي ، هو مفهوم صاغه كل من مارك توين وشارلز دودلي ويرنر في كتابهما المشترك والمعنون ؛ العصر الذهبي : حكاية اليوم [27]
(بالإنكليزية) وهو رواية ، مطبعة أكسفورد 1873 وأعيد طبعه عام 2007 (ويتألف من 268 صفحة) .
– بوشاهيرو فرنسيس فوكياما ؛ نهاية التالريخ والإنسان الأخير ( مصدر سابق) .[28]
– أنظر : رشاد ماهبلوي ؛ الحضارات ، طبيعتها وإمكانية تصادمها ، الجامعة الأوربية المركزية – بودباست (هنكاريا) ، خريف 2010 [29]
– هنتنجتون ؛ تصادم الحضارات (المصدر السابق) ، ص 22 [30]
– أنظر المصدر السابق ، ص 23 [31]
– المصدر السابق ، ص ص 23 – 24 [32]
– المصدر السابق ، ص 24[33]
– للتفصيل عن فيلسوف التاريخ البريطاني ” أرنولد توينبي ” أنظر : [34]
الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ الفيلسوف والتاريخ : نماذج من التأويل الفلسفي للتاريخ ، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر – جامعة الموصل 1987 ، ص ص 90 – 97
– صماويل هنتنجتون ؛ المصدر السابق ، ص 25 [35]
– تكون هذا العمل الإنجيلي في فلسفة التاريخ من 12 مجلداً ، وتألف من 7000 صفحة ، وجاء بالشكل الأتي : [36]
الأول – مدخل وبعنوان ” تكوين الحضارات ” – القسم الأول (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1934
الثاني – تكوين الحضارات – القسم الثاني (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1934
الثالث – نمو الحضارات (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1934
الرابع – إنهيار الحضارات (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1939
الخامس – إنحلال الحضارات – القسم الأول (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1939
السادس – إنحلال الحضارات – القسم الثاني (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1939
السابع – الدول العالمية والكنائس العالمية (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1954 ومن ثم ظهر بمجلدين .
الثامن – العصر البطولي : إتصال الحضارات في المكان (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1954
التاسع – إتصال الحضارات في الزمان (النهضات : القانون والحرية في التاريخ وواجهات الحضارة الغربية) بالإنكليزية ، مطبعة جامعة أكسفورد
1954
العاشر – إلهام المؤرخين : ملاحظة على الكرونولوجيا أو التسلسل الزمني (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1954
الحادي عشر – أطلس تاريخي (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1959
الثاني عشر – مراجعات (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1961
ومن ثم قام الكاتب ” ديفيد شرشل سومرفيل ” (1885 – 1965) بتلخيصه في مجلدين ، ومن مؤلفاته المشهورة ” التاريخ المختصر لديننا ” 1922 و ” الفكر الإنكليزي في القرن التاسع عشر ” 1929 ، وجاء هذين المجلدين بالصورة الأتية :
الأول – دراسة التاريخ : موجز للمجلدات الستة الأولى وبتقديم توينبي ، مطبعة جامعة أكسفورد 1946
الثاني – دراسة التاريخ : موجز للمجلدات من السابع وحتى العاشر ، مطبعة جامعة أكسفورد 1947
ومن ثم ظهر مجلد واحد ضم خلاصة المجلدات العشرة وبتقديم توينبي ، مطبعة جامعة أكسفورد 1960 .
– أنظر : توينبي ؛ نمو الحضارات (مصدر سابق) [37]
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق [38]
– المصدر السابق[39]
– المصدر السابق [40]
– المصدر السابق [41]
– المصدر السابق ، ص ص 25 – 26 [42]
– المصدر السابق ، ص 26 [43]
– وهو كاتب أمريكي وناشط سياسي وإجتماعي ، له العديد من المؤلفات في الأديان وخصوصاً المسيحية الكاثوليكية وإصلاح الكنيسة الكاثوليكية[44]
منها : 1 – الكاثوليكية وتجديد الديمقراطية الأمريكية (بالإنكليزية) ، مطبعة بوليست 1989 2 – مجرد حرب وحرب الخليج والأخلاق (بالإنكليزية) ، منشورات مركز السياسة الجماهيرية 1991 3 – الثورة الأخيرة : مقاومة الكنيسة وإنهيار الشيوعية (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1992
4 – الإيمان والعقل ، والحرب ضد الجهادية : الدعوة إلى فعل (بالإنكليزية) ، دار نشر دبلدي 2007 5 – الكاثوليكية الإنجيليكانية : الإصلاح في القرن الحادي والعشرين للكنيسة الكاثوليكية (بالإنكليزية) ، دار نشر الكتب الأساسية 2013
– وكيلز كيبل (1955 – ) بروفسور فرنسي في العلوم السياسية ، ومتخصص في الإسلام والعالم العربي المعاصر ، من مؤلفاته المشهورة : 1 -[45]
إنتقام الله : عودة الإسلام ، المسيحية واليهودية في العالم الحديث (بالإنكليزية) ، نشرة جامعة كيمبريدج 1994 2 – الله في الغرب : الحركات الإسلامية في أمريكا وأوربا (بالإنكليزية) ، نشرة أكسفورد 1997 3 – حرب العقول الإسلامية : الإسلام والغرب (الترجمة الإنكليزية من الفرنسية) ، نشرة كيمبريدج 2004 4 – جذور التطرف في الإسلام (بالإنكليزية) ، دار نشر الساقي – لندن 2005 5 – ما بعد الإرهاب واالشهادة : مستقبل الشرق الأوسط (بالإنكليزية) ، كيمبريدج 2008
– هنتنجتون ؛ تصادم الحضارات (مصدر سابق) ، ص 26 [46]
– المصدر السابق [47]
– المصدر السابق ، ص ص 26 – 27 [48]
– المصدر السابق ، ص 27 [49]
– لمزيد من التفاصيل عن البوذية وأساسها في الحضارة الأسيوية أنظر : بيتر هارفي ؛ مدخل إلى البوذية : تعاليم وتاريخ وطقوس (بالإنكليزية) ،[50]
مطبعة جامعة كيمبريدج 1990
– المصدر السابق ن ص ص 27 – 28 [51]
– المصدر السابق ، ص 29 [52]
– المصدر السابق [53]
– للتفاصيل أنظر المثابرة الرائدة في دائرة الثقافة العربية في أبستمولوجيات فلسفتي التاريخ والحضارة :[54]
الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ القدر والإنسان : بحث أبستمولوجي في تواريخ اليعقوبي وإبن الأثير ، دار الطليعة – بيروت 1986 ، المقدمة ، ص ص 5 – 14
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق [55]
– المصدر السابق ، ص ص 29 – 30 [56]
– هو وليم جون لورنس ويلس ، وهو أكاديمي بريطاني ، سافر إلى الولايات المتحدة ، وصرف ثلاث سنوات في كتابة إطروحته للدكتوراه ، [57]
والتي ركزت إهتمامها على ” إحياء الليبرالية من عام 1955 وحتى عام 1966 . ومن ثم عمل مديراً للمعهد الملكي للشؤون العالمية وللفترة من 1978 وحتى عام 1990 . وفي عام 1999 أصبح بروفسوراً للعلاقات الدولية في ” مدرسة لندن للعلوم السياسية والإقتصادية ” . ومن أهم مؤلفاته ” تحولات أوربا الغربية ” والذي صدر في نيويورك عام 1992 . وهو كتاب صغير بحدوما إذ تألف من 128 صفحة فقط . وهو المصدر الذي إعتمد عليه هنتنجتون في الحديث أعلاه عن ” الحدود الشرقية للمسيحية الغربية في عام 1500م . وصدرت له مؤلفات وأبحاث قبل هذا الكتاب منها : السياسة الخارجية والعملية السياسية : دراسة في السياسة المقارنة ، نيويورك 1991 (وهو كتاب صغير تألف من 80 صفحة) . ومنها ؛ الباب المفتوح : توسيع النيتو والوحدة الأوربية ، مركز الإصلاح الأوربي 1996 (وتألف من 49 صفحة) وغيرها كثير .
والحقيقة إن أسم الأكاديمي البريطاني ” وليم ويلس ” يتداخل مع إسم القائد العسكري الإسكتلندي ” وليم ويلس ” (1270 – 1305م) وهو القائد خلال حرب التحرير الإسكتلندية ، والذي أُلقي القبض عليه في أب 1305 وسلم إلى ملك إنكلترا ” أدورد الأول ” وإتهم وليم ويلس بالخيانة وعذب بصورة تتنافى والقيم الإنسانية ، وشتق إلا إنه ظل حياً ، فقطع جثمانه إلى أربعة أجزاء ، فظل رمزاً من الرموز الإسكتدلندية الخالدة … وللتفاصيل أنظر : كريست براون ؛ وليم ويلس : القصة الصادقة للقلب الشجاع ، شركة ناميس للنش 2005 .
– للتفاصيل أنظر هنتنجتون المصدر السابق ، ص 30 [58]
– المصدر السابق [59]
– المصدر السابق [60]
– المصدر السابق ، ص ص 30 – 31 [61]
– المصدر السابق ، ص 31[62]
– والمورو أو المورش جاءوا من شمال أفريقيا (المغرب) وعبروا مضيق جبل طارق وإستقروا في شبه جزيرة ليبريا (الأندلس – أسبانيا ) ومن ثم[63]
إنساحوا شمالأ . وهم في الأصل من إصول عربية وبربرية وأجدادهم عاشوا في ظل الدولة الأموية في الأندلس وبالتحديد في بداية القرن الثامن الميلادي . وهناك من يرى إن المورش هم المسلمون في العصور الوسطى ، والذين سكنوا المغرب وشبه جزيرة ليبريا وصقلية ومالطا . وفعلاً فإن المورش إحتلوا شيه جزيرة ليبريا عام 711 وأطلقوا عليها بلاد الأندلس ، والتي شملت حينها كل من مضيق جبل طارق ، ومعظم أسبانيا والبرتغال وأجزاء من جنوب فرنسا . كما كان لهم حضور في جنوب إيطاليا ، وخصوصاً في سيسلي (صقلية) . ومن ثم إحتلوا مازر الصقلية في عام 827 . وفي عام 1224م تم طرد المسلمون إلى مستوطنة لوتشرا، ومن ثم تم تدمير المستوطنة عام 1300 . والحقيقة إن الإختلافات الدينية للمسلمين المورش قد سبب صراعاً طويلاً مع الممالك المسيحية الأوربية ، والذي إمتد لقرون عديدة ومن ثم إنتهى بسقوط غرناطة رمز المسلمين في الأندلس عام 1492 والذي سجل نهاية للمسلمين في الأندلس (ليبريا / أسبانيا) . للتفاصيل أنظر : 1 – مريا روزا مينوسيل ؛ جوهرة العالم : كيف كون المسلمون واليهود والمسيحيون ثقافة التسامح في أسبانيا العصور الوسطى (بالإنكليزية) ، دار نشر ليتل براون 2002 . 2 – ديفيد كولدنبيرك ؛ لعنة حام : التمييز العنصري والعبودية في بواكير اليهودية والمسيحية والإسلام (بالإنكليزية) ، نشرة جامعة برنستن 2003 .
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق [64]
وهي من أكبر مدن المركز الفرنسي يومذاك والتي تقدم إلى إحتلالها القائد العربي عبد الرحمن الغافقي . وفعلاً فإنه في عام 732 قاد قوات ضاربة من الفرسان المسلمين ، ومن ثم تغلغلوا بحدود 500 كيلومتر في أعماق الأراضي الفرنسية . غير إنهم واجهوا مقاومة شديدة وإنتهت بمعركة التور (بلاط الشهداء) وكانت نتيجتها إندحار القوات الإسلامية . وكان يقود القوات الفرنسية القائد العسكري الفرنسي شارل مارتيل (688 – 741م) … للتفاصيل أنظر : ماستينك توماز ؛ السلام الصليبي : المملكة المسيحية والعالم الإسلامي والنظام السياسي الغربي (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة كليفورنيا 2002 .
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق[65]
– المصدر السابق [66]
– المصدر السابق [67]
وعد بلفور (أو إعلان بلفور) هو في الأصل الرسالة التي أرسلها ” أرثر جيمس بلفور ” (1848 – 1930 وعمل وزير خارجية لبريطانيا ومن – [68]
ثم رئيس وزراء) بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ” ليونيل ولتر دي روتشيلد ” وفيها تأييد الحكومة البريطانية على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . وقد صدر بعد إتفاق الأمير فيصل ممثل ملك الحجاز مع ” حاييم وازيزمان الصهيوني ” والتي وقعت عام 1915 ، وتم إعتمادها في إتفاقية باريس 1919 وذلك لتطبيق وعد بلفور … للتفاصيل أنظر : جونثان سكينر ؛ وعد بلفور : إصول الصراع العربي الإسرائيلي (بالإنكليزية) ، دار نشر راندم 2010 .
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق [69]
– المصدر السابق ، ص ص 31 – 32 ولتفاصيل أكثر أنظر ص ص 31 – 35 [70]
– المصدر السابق ، ص 35 [71]
– وهيك كرينوي تخرج من أكاديمية ميلتون ، جامعة ييل ، وجامعة أكسفورد وجامعة هارفارد ومن ثم عمل زميلاً باحثاً فيها . وخدم في القوات [72]
البحرية الأمريكية من عام 1958 وحتى عام 1960 . ومن ثم بدأ عمله الصحفي وإستهله مع صحيفة ” تايم لايف ” في لندن ، وفي الواشنطن ، وبوسطن ، والأمم المتحدة . وعمل منذ عام 1972 وحتى عام 1978 في ” الواشنطن بوست ” . ومنذ عام 1978 وحتى عام 2000 عمل ناشراً للقضايا الأجنبية ، وناشراً للقضايا القومية . ومن ثم ناشراً في مجلة ” قضايا أجنبية ” . أنظر : مايك مينهان ؛ الإعلامي هيك ديفيد سكوت كرينوي (بالإنكليزية) ، أون لاين ، ربيع 2006 . ومن ثم نشر” هيك كرينوي ” مذكراته تحت عنوان ” مراسل أجنبي : ميموار ” (بالإنكليزية) دار نشر سايمون وشوستر 2014 (320 صفحة) .
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق [73]
– المصدر السابق [74]
– المصدر السابق [75]
– أنظر الهامش رقم 64 من هذا البحث [76]
– وهو من الأكاديميين السعوديين والذي كان من الرموز الكبيرة والرائدة في ” حركة الصحوة السلفية ” والتي عارضت تواجد القوات الأمريكية [77]
في الجزيرة العربية . والأكاديمي ” سفر عبد الرحمن الحوالي (1950) يحمل شهادة الدكتوراه في اللاهوت الإسلامي (علم الكلام) – جامعة أم القرى بمكة عام 1986 . وفي التسعينات من القرن الماضي ألقت السلطات السعودية القبض عليه وأودعته السجن لفترة ، وذلك بسبب نقده للحكومة ودعوته إلى إسقاطها . وفي العام 1994 أصدر عالم الدين الوهابي ” الشيخ عبد العزيز بن باز ” فتوى شجب فيها تصرفات الشيخ سفر الحوالي وجماعته وطلب منهم بوقف هذه التصرفات وخلاف ذلك حرم عليهم المحاضرات والإجتماعات ونشر التسجيلات الصوتية .
من أهم مؤلفات الشيخ سفر الحوالي ؛ رسالته للماجستير والتي كانت بعنوان ” العلمانية ” وهذه الرسالة كانت بإشراف المصري محمد قطب (1919 – 2014) وهو شقيق المفكر الإسلامي ” سيد قطب ” (1906 – 1966) . وفي رسالة الماجستير تابع الأكاديمي سفر الحوالي ” تاريخ الفصل بين الكنيسة والدولة ” وبين أهمية ” هذه الفكرة للعالم الإسلامي ” . وفي إطروحته للدكتوراه قام بتحليل قضية ” الفصل ما بين العقيدة وإعمال العبادة ” . ولعل أهمية هذا الشيخ إنه بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي الأبن ” جورج بوش ” عارض فيها تبرير الحرب على العراق . وهي محاولة (أي تبرير الحرب) قام بها ما يُقارب 66 من المفكرين الأمريكيين … للتفصيل أنظر : 1 – منصور جاسم الشمسي ؛ الإسلام والإصلاح السياسي في المملكة العربية السعودية : مطالب في التغيير السياسي والإصلاح (بالإنكليزية) ، دار نشر روتليدج – نيويورك 2011 2 – روبرت لاسي ؛ في داخل المملكة العربية السعودية : الملوك ، رجال الدين والمُجددون والإرهابيون والكفاح من أجل المملكة (بالإنكليزية) ، فايكنك 2009 .
– أنظر : صامويل هنتنجتون ؛ صدام الحضارات ، ص 35 [78]
– أنظر : المصدر السابق ، ص ص 35 – 36 [79]
– المصدر السابق ، ص 36 [80]
– المصدر السابق [81]
– المصدر السابق [82]
– للتفاصيل أنظر : المصدر السابق [83]
لمصدر السابق ، ص ص 36 – 37 [84]
– أنظر : المصدر السابق ، ص 37 [85]
– أنظر المصدر السابق [86]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 37 – 38 [87]
– المصدر السابق ، ص 38 [88]
– المصدر السابق ، ص 39 [89]
المصدر السابق [90]
– المصدر السابق [91]
– للتفاصيل أنظر : روبرت باسويل ؛ إنسكلوبيديا البوذية (بالإنكليزية) ، دار كتب ماكميلان 2003 [92]
أنظر : أرثر نويلاين باشم ؛ إصول وتطور الهندوسية الكلاسيكية (بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة أكسفورد 1989 [93]
– أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ مالك بن نبي والمشروع الإسلامي للإقتصاد / مجلة الإجتهاد ، بيروت ، العدد 37 ، خريف 1997 [94]
– أنظر الهامش في هنتنجتون ؛ المصدر السابق ، ص 39 [95]
– المصدر السابق ، ص 39 [96]
– أنظر المصدر السابق ، ص ص 42 – 45 [97]
– عبد الوهاب البياتي ” الذي يأتي ولا يأتي ، الطبعة الأولى ، دار الأداب 1969 (69 صفحة) .[98]
– نتنتجتون ؛ المصدر السابق ، ص 42 [99]
– المصدر السابق [100]
– وهو التقليد الذي أرسى قواعده الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك (1881 – 1938) وهو في الأصل ضابط تركي ، ومن ثم رجل سياسي [101]
من الإصلاحين ، وهو أول رئيس وزراء ورئيساً لتركيا الحديثة . ولكونه المؤسس لتركيا الحديثة ، فيُطلق عليه لقب ” الأب لتركيا ” وقد حصل على هذا اللقب عام 1934 وحرم البرلمان التركي من إطلاق هذا اللقب على أي شخص بعده . وفعلاً فقد كان ضابطاً في الجيش خلال الحرب العالمية الأولى ، وبعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، قاد أتاتورك الحركة القومية التركية وخصوصاً خلال حرب الإستقلال التركية ، وأسس حكومة محافظة أنقره . ومن ثم هزم قوات التحالف وإنتهت حملته العسكرية بإنتصار تركيا في حرب الإستقلال . ومن ثم باشر أتاتورك برنامجاً سياسياً إقتصادياً ، وإصلاح حضاري تتوج بتحويل الإمبراطورية العثمانية السابقة إلى دولة قومية علمانية حديثة . وتحت قيادته أسس ألاف المدارس وجعل التعليم الأولي مجاني وإجباري ، ومن ثم منح النساء حقوقهن المدنية والسياسية المتساوية ، وخفف الضرائب من المزارعين . والحقيقة إن مبادئ أتاتورك في الإصلاح هي التي نهضت عليها تركيا الحديثة والتي يُطلق عليها ” تركيا الكمالية ” نسبة إلى الرئيس التركي ” مصطفى كمال أتاتورك ” . للتفاصيل أنظر : أندرو جيمس مانكو ؛ أتاتورك : السيرة الذاتية لمؤسس تركيا الحديثة (بالإنكليزية) ، مطبعة أوفرلوك 2002 .
– هنتنجتون ؛ المصدر السابق [102]
– المصدر السابق ، ص 44 [103]
– للتفاصيل أنظر : صماويل هنتنجتون ؛ من نحن ؟ تحديات الهوية القومية الأمريكية (بالإنكليزية) ، دار نشر سايمون وشوستر 2004 (يتألف من[104]
448 صفحة) .
– أنظر المصدر السابق [105]
– الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ القدوة : دراسة تحليلية في مواصفات الشخصية المثالية ، نشرة وزارة االتعليم العالي – جامعة الموصل ، مطابع [106]
التعليم العالي 1990 ، وفيه حديث عن الكونفوشيوسية ، ص ص 50 – 54
– أنظر للتفاصيل المصدر السابق (والكتاب من القطع الكبير وتألف من 168 صفحة) .[107]
– هنتنجتون ؛ تصادم الحضارات (مصدر سابق) ، ص 45 [108]
– أنظر المصدر السابق [109]
– أنظر للتفاصيل : أوليفر ألفانسو برنكلي ؛ المسيحية الغربية وإنتشار الشيوعية (بالإنكليزية) ، جامعة فرجينيا 1951 (تألف من 176 صفحة) .[110]
– أنظر : هنتنجتون ؛ المصدر السابق [111]
– المصدر السابق ، ص 46 [112]
– المصدر السابق [113]
– المصدر السابق ، ص 47 [114]
– وهو ” ديفيد كيث ماككيوردي ” (ولد في 30 أذار 1950) محامي وسياسي محافظ عضو ديمقراطي في الكونكرس الأمريكي ، ورئيس مؤسسة [115]
الغاز الأمريكية . تخرج من جامعة مدينته أوكلاهوما عام 1972 ومن ثم حصل في العام 1975 على درجة القانون من الجامعة ذاتها . ودرس الإقتصاد العالمي في جامعة أدنبرا في إسكتلندا . وخدم في القوات الجوية الأمريكية ووصل إلى درجة كابتن ، وعمل مساعداً للمدعي العام لولاية أوكلاهوما وبالتحديد من عام 1975 وحتى عام 1977 . وكان عضواً في الكونكرس الأمريكي للفترة الممتدة من عام 1981 وحتى عام 1995 ، وهو متخصص في الأمن القومي وقضايا المخابرات … للتفاصيل أنظر : جورج ستيفن أبولص ؛ كلهم إنسانيون : التربية السياسية (بالإنكليزية) ، دار نشر لتل بروان وشركاؤه 2000
– هنتنجتون ؛ صدام الحضارات (مصدر سابق) [116]
– المصدر السابق ، ص ص 47 – 48 [117]
– أنظر المصدر السابق ، ص 48 [118]
– أنظر المصدر السابق [119]
– المصدر السابق [120]
– للتفاصيل أنظر المصدر السابق ، ص ص 48 – 49 [121]
– المصدر السابق ، ص 49 [122]
– المصدر السابق [123]
– أنظر للتفاصيل : المصدر السابق [124]
– مثلاً حدث في عالمنا العربي والإسلامي جدل حول ” تصادم الحضارات ” قاده رجال دين وكانت مصادرهم على الأغلب خلاصات ونُقول [125]
مترجمة من الإنكليزية وترجمات من لغات أوربية متنوعة .
– أنظر : صامويل هنتنجتون ؛ تصادام الحضارات : إعادة بناء النظام العالمي (بالإنكليزية) ، دار نشر سايمون وشوستر 1996 [126]
– أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ الفيلسوف والتاريخ : نماذج من التأويل الفلسفي للتاريخ ، مديرية دار الكتب – جامعة الموصل 1987 ، [127]
الفصل الثالث والمعنون ” التأويل الجيولوجي – البايولوجي للتاريخ ” ، ص ص 41 – 69
– أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ حضور فيلسوف التاريخ الألماني هرمان دي كيسرلنج في خطاب مالك بن نبي / ثلاثة أقسام / جريدة[128]
البلاد اللندنية – كندا الأعداد التالية : 117 سبتمبر 2011 ، 118 إكتوبر 2011 و119 نوفمبر 2011 ، وكذلك أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ موزائيك إسلامي : دعوة لصياغة مشروع سياسي نهضوي مدني / صحيفة الناس البغدادية / العدد 90 الأربعاء 7 أيلول 2011 .
– أنظر : توينبي ؛ إنهيار الحضارات ، المجلد الرابع من موسوعته ” دراسة التاريخ (مصدر سابق) [129]
– أنظر : المصدر السابق ، المجلد الخامس والسادس (مصدر سابق) .[130]
– أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ ” نموذج من التأويل الوجودي للتاريخ ” ، المصدر السابق ، الفصل الرابع ، ص ص 71 – 114 [131]
– للتفاصيل أنظر : بول كوسمين ؛ أرض الملوك الفيلة : المكان والأرض وأيديولوجيا الإمبراطورية السلوقية ، مطبعة جامعة هارفرد 2014 [132]
– لأكثر من التفاصيل أنظر : ستيفن أوشي ؛ بحر الإيمان : الإسلام والمسيحية في البحر المتوسط خلال العصور الوسطى ، شركة والكر ، [133]
نيويورك 2006
– أنظر : فرنسيس فيكوياما ؛ نهاية التاريخ والإنسان الأخير (مصدر سابق) . وهو في الأصل مقالة ومن ثم قام بتوسيعها ، وسبق إن نشرها [134]
وبعنوان ” نهاية التاريخ ” ، مجلة ” المصالح القومية ” ، صيف 1989
– للتفاصيل أنظر : صامويل هنتنجتون ؛ تصادم الحضارات : إعادة بناء النظام العالمي (مصدر سابق) [135]
– للتفاصيل أنظر : ريتشارد روبنسن وجاري كروكر ؛ تحديات هنتنجتون (بالإنكليزية) ، منشور في مجلة ” السياسة الأجنبية ” ، العدد 96 ، [136]
خريف 1994 ، ص ص 113 – 128
– أنظر : سيزابارو ساتو ؛ تصادم الحضارات أو إعادة بناء الذات خلال التعليم المتبادل (بالإنكليزية) ، معهد أوكاموتو للبحث والشؤون الدولية ،[137]
طوكيو ، إكتوبر 1997
– أنظر : فرنسيس فيكوياما ؛ نهاية التاريخ والإنسان الأخير (مصدر سابق)[138]
– أنظر : صامويل هنتنجتون ؛ تصادم الحضارات : إعادة تشكيل النظام العالمي (مصدر سابق) [139]
– أنظر : سيزابارو ساتو ؛ المصدر السابق [140]
– أنظر المصدر السابق [141]
– أنظر : المصدر السابق [142]
– المصدر السابق [143]
– المصدر السابق [144]
– المصدر السابق [145]
– المصدر السابق [146]
– المصدر السابق [147]
– المصدر السابق [148]
– أنظر : إيرول هندرسن وريتشارد توكر ؛ الوضوح وحضور الغرباء : صدام الحضارات والصراع الدولي ، المجلة الفصلية ” دراسات دولية ” ،[149]
العدد 45 سنة 2001 ، ص ص 317 – 338
– أنظر ألمصر السابق [150]
– أنظر للتفاصيل : روبن أندرو (المشرف والناشر) ؛ الإنسانية ، الحرية والنقد : أدورد سعيد وما بعد (كتاب جماعي بالإنكليزية) ، مطبعة جامعة[151]
جورج تاون ، واشنطن 2005 ، ومن الجدير بالذكر إن شقيقة الدكتور سعيد ، الدكتورة ” روزماري سعيد زحلان ” (1937 – 2006)هي الأخرى أكاديمية ولها مؤلفات عن دول الخليج العربي مثل ” الكويت “و ” البحرين “و ” قطر ” و” الإمارات العربية ” و ” عمان ” و ” فلسطين ودول الخليج ” وهي ممثلة وكاتبة مسرح كذلك …
– أدورد سعيد ؛ تصادم الجهل (بالإنكليزية) ، مجلة الأمة ، 22 إكتوبر 2001 [152]
– أنظر : هنتنجتون ؛ تصادم الحضارات (مصدر سابق) ، ص 25 [153]
– أنظر المصدر السابق [154]
– المصدر السابق [155]
– المصدر السابق [156]
– أنظر : كليبرت مويلر ؛ قارئ العالم الجديد : التفكير والكتابة عن المجتمع العالمي ، دار هوفتن مايفلين 2007 [157]
– فؤاد عجمي ؛ مصير عدم الإنحياز (بالإنكليزية) ، مجلة الشؤون الأجنبية ، شتاء 1980 / 1981 [158]
– أنظر : الأخبار الأمريكية وتقرير العالم ، 24 آب عام 2010 [159]
– فؤاد عجمي ؛ المآزق العربي : الفكر السياسي العربي وتطبيقاته منذ عام 1967 (بالإنكليزية) ، نشرة مطبعة جامعة كيمبريدج 1992 وتألف من [160]
300 صفحة ، والنشرة الأولى صدرت عام 1981 .
– أنظر : فؤاد عجمي ؛ الإمام المُغيب : موسى الصدر وشيعة لبنان (بالإنكليزية) ، نشرة مطبعة جامعة كورنيل – نيويورك 1986 ، والكتاب يتألف[161]
من 228 صفحة .
– أنظر إيليا ريد و فؤاد عجمي ، بيروت : مدينة الندم (بالإنكليزية) ، نشرة دار نورتن 1988 .[162]
– أنظر : فؤاد عجمي ؛ قصر العرب الوردي (الحالم) : جيل أوديسا (بالإنكليزية) ، نشر در كتب فاينتج 1999 [163]
– أنظر ؛ فؤاد عجمي ؛ هبة الأجانب ، الأمريكان والعرب والعراقيين والعراق (مصدر سابق)[164]
– أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ في رحيل الأكاديمي الأمريكي اللبناني فؤاد عجمي ، موقع الفيلسوف 27 حزيران 2014 [165]
– أنظر: الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ الطرف السياسي من عمل الأكاديمي الأمريكي اللبناني فؤاد عجمي ، موقع الفيلسوف ، 2 تموز 2014 [166]
– أنظر : فؤاد عجمي ؛ الإستدعاء (بالإنكليزية) ، مجلة شؤون أجنبية ، 74 / 4 ، سبتمبر – إكتوبر 1993 ، ص 2[167]
أنظر : فؤاد عجمي ؛ المصدر السابق -[168]
– فؤاد عجمي ؛ مقالة التصادم (بالإنكليزية) ، منشورة في ” نيويورك تايمز ” / مراجعة كتاب ، 6 كانون الثاني 2008 [169]
– المصدر السابق [170]
– المصدر السابق [171]
– المصدر السابق [172]
– أنظر : طارق علي ؛ تصادم المتطرفين : الصليبيون والجهاديون والحداثة (بالإنكليزية) ، دار نشر فيرسو 2003 (يتكون من 432 صفحة) [173]
– أنظر : الدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ طارق علي وتصادم المتطرفيين : الصليبيون والجهاديون والحداثة ، موقع الفيلسوف / مقالات قادمة[174]
– للتفاصيل أنظر : طارق علي ” المصدر السابق [175]
———————————————————————————————–